تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٦
والمتعلقة لتمام العناية الربانية ويدور أمر الخيرية في التكوينيات مدار العناية الإلهية لا لحكم من ذواتها فلا حكم إلا لله.
ثم بين ثانيا لما سأله عن سبب عدم سجوده بقوله: " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " أنه تعالى اهتم بأمر خلقته كل الاهتمام واعتنى به كل الاعتناء حيث خلقه بكلتا يديه بأي معنى فسرنا اليدين، وهذا هو الفضل فأجاب لعنه الله بقوله: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " فتعلق بأمر النار والطين، وأهمل أمر تكبره على ربه كما أنه في هذه السورة سئل عن سبب تكبره على ربه إذ قيل له: " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " فتعلق بقوله: " أنا خير منه " الخ، ولم يعتن بما سئل عنه أعني السبب في تكبره على ربه إذ لم يأتمر بأمره.
بلى قد اعتنى به إذ قال: " أنا خير منه " فأثبت لنفسه استقلال الآنية قبال الآنية الإلهية التي قهرت كل شئ فاستدعاه ذلك إلى نسيان كبريائه تعالى ووجد نفسه مثل ربه وأن له استقلالا كاستقلاله، وأوجب ذلك أن أهمل وجوب امتثال امره لأنه الله بل اشتغل بالمرجحات فوجد الترجيح للمعصية على الطاعة وللتمرد على الانقياد وليس إلا أن تكبره بإثبات الآنية المستقلة لنفسه أعمى بصره فوجد مادة نفسه وهي النار خيرا من مادة نفس آدم وهي الطين فحكم بأنه خير من آدم، ولا ينبغي للفاضل أن يخضع بالسجود لمفضوله، وإن أمر به الله سبحانه لأنه يسوي بنفسه نفس ربه بما يرى لنفسه من استقلال وكبرياء كاستقلاله فيترك الآمر ويتعلق بالمرجحات في الامر.
وبالجملة هو سبحانه الله الذي منه يبتدئ كل شئ وإليه يرجع كل شئ فإذا خلق شيئا وحكم عليه بالفضل كان له الفضل والشرف واقعا بحسب الوجود الخارجي وإذا خلق شيئا ثانيا وأمره بالخضوع للأول كان وجوده ناقصا مفضولا بالنسبة إلى ذلك الأول فإن المفروض أن أمره أما نفس التكوين الحق أو ينتهي إلى التكوين فقوله الحق والواجب في امتثال أمره أن يمتثل لأنه أمره لا لأنه مشتمل على مصلحة أو جهة من جهات الخير والنفع حتى يعزل عن ربوبيته ومولويته ويعود زمام الامر والتأثير إلى المصالح والجهات، وهي التي تنتهي إلى خلقه وجعله كسائر الأشياء من غير فرق.
فجملة ما تدل عليه آيات القصة أن إبليس أنما عصى واستحق الرجم بالتكبر على
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست