تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٤٢
ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " الأعراف: 179.
فاستقلال الانسان بنفسه وغفلته عن ربه وجميع ما يتفرع عليه من سيئ الاعتقاد وردئ الأوهام والأفكار التي يرتضع عنها كل شرك وظلم إنما هي من تصرف الشيطان في عين إن الانسان يخيل إليه أنه هو الموجد لها القائم بها لما يراه من استقلال نفسه فقد صبغ نفسه صبغة لا يأتيه اعتقاد ولا عمل إلا صبغه بها.
وهذا هو دخوله تحت ولاية الشيطان وتدبيره وتصرفه من غير أن يتنبه لشئ أو يشعر بشئ وراء نفسه قال تعالى: " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " الأعراف: 27.
وولاية الشيطان على الانسان في المعاصي والمظالم على هذا النمط نظير ولاية الملائكة عليه في الطاعات والقربات، قال تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم في الحياة الدنيا " حم السجدة: 31، والله من ورائهم محيط وهو الولي لا ولي سواه قال تعالى: " ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " السجدة: 4.
وهذا هو الاحتناك أي الالجام الذي ذكره فيما حكاه الله تعالى عنه بقوله: " قال أ رأيتك هذا الذي كرمت علي... لاحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " أسرى: 64، أي لألجمنهم فأتسلط عليهم تسلط راكب الدابة الملجم لها عليها يطيعونني فيما آمرهم ويتوجهون إلى حيث أشير لهم إليه من غير أي عصيان وجماح.
ويظهر من الآيات أن له جندا يعينونه فيما يأمر به ويساعدونه على ما يريد وهو القبيل الذي ذكر في الآية السابقة: " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " وهؤلاء وإن بلغوا من كثرة العدد وتفنن العمل ما بلغوا فإنما صنعهم صنع نفس إبليس ووسوستهم نفس وسوسته كما يدل عليه قوله: " لأغوينهم أجمعين " الحجر: 39،
(٤٢)
مفاتيح البحث: السجود (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست