تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٧
الله في عدم امتثال أمره، وأن الذي أظهر به تكبره هو قوله: " أنا خير منه " وقد تكبر فيه على ربه كما تقدم بيانه وإن كان ذلك تكبرا منه على آدم حيث إنه فضل نفسه عليه واستصغر أمره وقد خصه الله بنفسه وأخبرهم بأنه أشرف منهم في حديث الخلافة وفي قوله: " ونفخت فيه من روحي " وقوله: " خلقت بيدي " إلا أن العناية في الآيات باستكباره على الله لا استكباره على آدم.
ومن الدليل على ذلك قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف: 50 حيث لم يقل: فاستنكف عن الخضوع لآدم بل إنما ذكر الفسق عن أمر الرب تعالى.
فتلخص أن آيات القصة إنما تعتني بمسألة استعلائه على ربه، وأما استكباره على آدم وما احتج به على ذلك فذلك من المدلول عليه بالتبع، والظاهر أنه هو السر في عدم التعرض للجواب عن حجته صريحا إلا ما يومي إليه بعض أطراف الكلام كقوله: " خلقت بيدي " وقوله: " ونفخت فيه من روحي " وغير ذلك.
فإن قلت: القول بكون الامر بالسجود تكوينيا ينافي ما تنص عليه الآيات من معصية إبليس فإن القابل للمعصية والمخالفة إنما هو الامر التشريعي وأما الامر التكويني فلا يقبل المعصية والتمرد البتة فإنه كلمة الايجاد الذي لا يتخلف عنه الوجود قال:
" إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " النحل: 40.
قلت: الذي ذكرناه آنفا أن القصة بما تشتمل عليه بصورتها من الامر والامتثال والتمرد والطرد وغير ذلك وإن كانت تتشبه بالقضايا الاجتماعية المألوفة فيما بيننا لكنها تحكي عن جريان تكويني في الروابط الحقيقية التي بين الانسان والملائكة وإبليس فهي في الحقيقة تبين ما عليه خلق الملائكة وإبليس وهما مرتبطان بالانسان، وما تقتضيه طبائع القبيلين بالنسبة إلى سعادة الانسان وشقائه، وهذا غير كون الامر تكوينيا.
فالقصة قصة تكوينية مثلت بصورة نألفها من صور حياتنا الدنيوية الاجتماعية كملك من الملوك أقبل على واحد من عامة رعيته لما تفرس منه كمال الاستعداد وتمام القابلية فاستخلصه لنفسه وخصه بمزيد عنايته، وجعله خليفته في مملكته مقدما له على خاصته ممن حوله فأمرهم بالخضوع لمقامه والعمل بين يديه فلباه في دعوته وامتثال
(٢٧)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست