تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٠
الهبوط المذكور إنما كان هبوطا معنويا لا نزولا من مكان جسماني إلى مكان آخر، ويتأيد به ما تقدم أن مرجع الضمير في قوله: " منها " وقوله: " فيها " هو المنزلة دون السماء أو الجنة إلا أن يرجعا إلى المنزلة بوجه.
والمعنى: قال الله تعالى: فتنزل عن منزلتك حيث لم تسجد لما أمرتك فإن هذه المنزلة منزلة التذلل والانقياد لي فما يحق لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين أهل الهوان وإنما أخذ بالصغار ليقابل به التكبر.
قوله تعالى: " قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين " استمهال وإمهال، وقد فصل الله تعالى ذلك في موضع آخر بقوله: " قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " الحجر: 38، ص: 81، ومنه يعلم أنه أمهل بالتقييد لا بالاطلاق الذي ذكره فلم يمهل إلى يوم البعث بل ضرب الله لمهلته أجلا دون ذلك وهو يوم الوقت المعلوم، وسيجئ الكلام فيه في سورة الحجر إنشاء الله تعالى.
فقوله تعالى: " إنك من المنظرين " إنما يدل على إجمال ما أمهل به، وفيه دلالة على أن هناك منظرين غيره.
واستمهاله إلى يوم البعث يدل على أنه كان من همه أن يديم على إغواء هذا النوع في الدنيا وفي البرزخ جميعا حتى تقوم القيامة فلم يجبه الله سبحانه إلى ما استدعاه بل لعله أجابه إلى ذلك إلى آخر الدنيا دون البرزخ فلا سلطان له في البرزخ سلطان الاغواء والوسوسة وإن كان ربما صحب الانسان بعد موته في البرزخ مصاحبة الزوج والقرين كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " الزخرف: 39، وظاهر قوله: " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " الصافات: 22.
قوله تعالى: " قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم " إلى آخر الآية. الاغواء هو الالقاء في الغي والغي والغواية هو الضلال بوجه والهلاك والخيبة، والجملة أعني قوله: " أغويتني " وإن فسر بكل من هذه
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست