تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٥٦
على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض، وصعقت الجبال، وخر موسى صعقا أي ميتا " فلما أفاق " ورد عليه روحه " قال سبحانك تبت إليك " من قول من زعم أنك ترى ورجعت إلى معرفتي بك: أن الابصار لا تدركك " وأنا أول المؤمنين " بأنك ترى ولا ترى وأنت بالمنظر الاعلى الحديث.
وفي التوحيد بإسناده عن علي عليه السلام في حديث: وسأل موسى وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل: " رب أرني أنظر إليك " فكانت مسألته تلك أمرا عظيما، وسأل أمرا جسيما فعوتب فقال الله عز وجل " لن تراني " في الدنيا حتى تموت وتراني في الآخرة، ولكن إن أردت أن تراني " فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " فأبدا الله بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما " وخر موسى صعقا " ثم أحياه الله وبعثه فقال: " سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " يعني أول من آمن بك منهم بأنه لا يراك.
أقول: الروايتان كما ترى تؤيدان ما تقدم في البيان السابق، ويتحصل منهما:
* أولا: أن السؤال إنما كان عن رؤية القلب دون رؤية البصر المستحيل عليه تعالى بأي وجه تصور، وحاشا مقام الكليم عليه السلام أن يجهل من ساحة ربه المنزهة ما هو من البداهة على مكان وهو يسمي القوم الذين اختارهم للميقات سفهاء إذ سألوا الرؤية إذ يقول لربه: " أ تهلكنا بما فعل السفهاء منا " الأعراف: 155، فكيف يقدم هو نفسه على ما سماه سفها؟.
وقد كان النزاع والمشاجرة في الصدر الأول وخاصة في زمان الصادقين إلى زمان الرضا عليهم السلام في المسألة بالغا أوج شدته ينكرها المعتزلة مطلقا ويثبتها الأشاعرة في الآخرة وهناك طائفة أخرى تثبتها في الدنيا والآخرة جميعا، والفريقان جميعا يستدلان بالآية ولم تزل المنازعة قائمة على ساقها لم تنقطع ظاهرا إلا بسيوف آل أيوب التي أبادت المعتزلة وألحقت طالعهم بغاربهم.
و جملة احتجاج المعتزلة، أنهم كانوا يستدلون بقوله في الآية: " لن تراني " و بسائر ما ينفي الرؤية البصرية من طريق العقل والنقل، ويؤولون ما يدل على جوازها من الآيات والروايات، وجملة احتجاج الأشاعرة أنهم كانوا يستدلون بالتنظير الواقع في
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست