وقوله: " ما علمت لكم من إله غيري " أي لا أعلم لكم أحدا يجب عليكم عبادته إلا إنا.
و إذا كان مذهبه ذلك لم يبعد أن يقال: إنه كان قد اتخذ أصناما على صور الكواكب ويعبدها ويتقرب إليها على ما هو دين عبدة الكواكب، وعلى هذا التقدير فلا امتناع في حمل قوله تعالى: " ويذرك وآلهتك " على ظاهره فهذا ما عندي في هذا الباب انتهى. وقد أخطأ في ذلك فليس معنى الألوهية والربوبية عند الوثنيين وعبدة الكواكب خالقية السماوات والأرض بل تدبير شئ من أمور العالم كما احتمله أخيرا، ولا في الدهريين من يعبد الكواكب، ولا في الصابئين وعبدة الكواكب من ينكر وجود الصانع.
بل الحق أن فرعون - كما تقدم - كان يرى نفسه ربا لمصر وأهله، وكان إنما ينكر كونهم مربوبي إله آخر على قاعدتهم لا أنهم أو غيرهم من العالم ليسوا مخلوقين لله سبحانه.
وقوله تعالى " قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون " وعد منه للملأ من قومه أن يعيد إلى بني إسرائيل تعذيبه السابق وهو قتل أبنائهم واستحياء نسائهم واستبقاؤهن للخدمة، وعقبه بقوله: " وإنا فوقهم قاهرون " وهو تطييب قلوبهم وإسكان ما في نفوسهم من الاضطراب والطيش.
قوله تعالى: " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا " إلى آخر الآية. وهذا من موسى عليه السلام بعث لبني إسرائيل واستنهاض لهم على الاستعانة بالله على مقصدهم وهو التخلص من إسارة آل فرعون واستعبادهم ثم بعث على الصبر على شدائد يهددهم بها فرعون من ألوان العذاب، والصبر هو رائد الخير وفرط كل فرج، ثم علل ذلك بقوله: " إن الأرض لله يورثها من يشاء ".
ومحصلة أن فرعون لا يملك الأرض حتى يمنحها من يشاء، ويمنع من التمتع بها من يشاء بل هي لله يورثها من يشاء وقد جرت السنة الإلهية أن يخص بحسن العاقبة من يتقيه من عباده فإن استعنتم بالله وصبرتم في ذات الله على ما يهددكم من الشدائد - وهو التقوى - أورثكم الأرض التي ترونها في أيدي آل فرعون.
ولذلك عقب قوله: " أن الأرض لله " الآية بقوله: " والعاقبة للمتقين " العاقبة ما يعقب الشئ كالبادئة لما يبدء بالشئ، وكون العاقبة مطلقا للمتقين من جهة أن السنة