تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٢٣
ربا، وكان يأمر قومه أن لا يعبدوا إلا إياه، ولذلك قال بعضهم: أنه كان دهريا لا يعترف بصانع ويأمر قومه بترك عبادة الآلهة مطلقا، وقصر العبادة فيه، ولذلك قرأ بعضهم - على ما قيل - " والهتك " بكسر الهمزة وفتح اللام وإثبات الألف بعدها كالعبادة وزنا ومعنى.
لكن الا وجه أنه كان يريد بقوله: " ما علمت لكم من إله غيري " نفى إله يخص قومه القبطيين يملكهم ويدبر أمورهم غير نفسه كما هو المعهود من عقائد الوثنيين أن لكل صنف من أصناف الخلائق كالسماء والأرض والبر والبحر وقوم كذا، أو من أصناف الحوادث والأمور كالسلم والحرب والحب والجمال ربا على حدة، وإنما كانوا يعبدون من بينها ما يهمهم عبادته كعبادته سكان سواحل البحار رب البحر والطوفان.
فمعنى كلامه أني أنا ربكم معاشر القبطيين لا ما اتخذه موسى وهو يدعي أنه ربكم أرسله إليكم، ويؤيد ما ذكرناه ما احتف به من القرينة بقوله: " ما علمت لكم من إله غيري " فإنه تعالى يقول: " وقال فرعون يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وأني لأظنه من الكاذبين " القصص: 38، فظاهرها أنه كان يشك في كونه إلها لموسى، وأن معنى قوله: " ما علمت لكم من إله غيري " نفي العلم بوجود إله غيره لا العلم بعدم وجود إله غيره، وبالجملة فكلامه لا ينفي إلها غيره.
وأما احتمال كون فرعون دهريا غير قائل بوجود الصانع فالظاهر أنه الذي يوجد في كلام الرازي قال في التفسير الكبير ما لفظه:
الذي يخطر ببالي أن فرعون إن قلنا: إنه ما كان كامل العقل لم يجز في حكمة الله تعالى إرسال الرسول إليه، وإن كان عاقلا لم يجز أن يعتقد في نفسه كونه خالق السماوات والأرض، ولم يجز في الجمع العظيم من العقلاء أن يعتقدوا فيه ذلك لان فساده معلوم بضرورة العقل.
بل الأقرب أن يقال: إنه كان دهريا ينكر وجود الصانع، وكان يقول: مدبر هذا العالم السفلي هو الكواكب، وأما المجدي في هذا العالم للخلق ولتلك الطائفة والمربي لهم فهو نفسه فقوله: " أنا ربكم الاعلى " أي مربيكم والمنعم عليكم والمطعم لكم،
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست