مشركين)، يقول الله: (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون).
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا إن لكل أمه مجوسا - ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر ويزعمون أن المشية والقدرة إليهم ولهم.
قال في البرهان عند نقل الحديث: وفي نسخة أخرى من تفسير على بن إبراهيم في الحديث هكذا: قال: فقال: إلا إن لكل أمة مجوسا، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر ويزعمون أن المشية والقدرة ليست لهم ولا عليهم، وفي نسخه ثالثة، يقولون: لا قدر ويزعمون أن المشية والقدرة ليست إليهم ولا لهم، انتهى.
أقول: مسألة القدر من المسائل التي وقع الكلام فيها في الصدر الأول فأنكر القدر - وهو أن لإرادة الله سبحانه تعلقا ما بأعمال العباد - قوم وأثبتوا المشية والقدرة المستقلتين للانسان في فعله وأنه هو الخالق له المستقل به، وسموا بالقدرية أي المتكلمين في القدر، وقد روى الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (القدرية مجوس هده الأمة،) وانطباقه عليهم واضح فإنهم يثبتون للأعمال خالقا هو الانسان ولغيرها خالقا هو الله سبحانه وهو قول الثنوية وهم المجوس بإلهين اثنين: خالق للخير، وخالق للشر.
وهناك روايات أخر عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أئمة أهل بيته عليهم السلام تفسر الرواية بالمعنى الذي تقدم، وتثبت أن هناك قدرا وأن لله مشيه في أفعال عباده كما يثبته القرآن.
وقد أول المعتزلة وهم النافون للقدر الرواية بأن المراد بالقدرية المثبتون للقدر، وهم كالمجوس في إسنادهم الخير والشر كله إلى خالق غير الانسان، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك، وسيجئ استيفاؤه إن شاء الله تعالى.
ومما ذكرنا يظهر أن الجمع بين القول بأنه لا قدر، والقول بأنه ليست المشية والقدرة للانسان ولا إليه جمع بين المتنافيين فإن القول بنفي القدر يلازم القول باستقلال الانسان بالمشية والاستطاعة، والقول بالقدر يلازم القول بنفي استقلاله بالمشية والقدرة.
وعلى هذا فما وقع في النسختين من الجمع بين قولهم: لا قدر، وقولهم: إن المشية والقدرة ليست لهم ولا إليهم ليس إلا من تحريف بعض النساخ، وقد اختلط عليه المعنى حيث حفظ قوله (لا قدر) وغير الباقي.
وفي الدر المنثور أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني في