كما حكى الله سبحانه ذلك بقوله (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) (الأعراف: 131) وهو مأثور عن سائر الأمم في خصوص أنبيائهم وهذه الأمة في معاملتهم نبيهم لا يقصرون عن سائر الأمم وقد قال تعالى: (تشابهت قلوبهم) (البقرة: 118) وهم مع ذلك أشبه الأمم ببني إسرائيل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنهم لا يدخلون جحر ضب إلا دخلتموه) وقد تقدم نقل الروايات في ذلك من طرق الفريقين.
وقد تمحل في الآيات أكثر المفسرين بجعلها نازلة في خصوص اليهود أو المنافقين أو الجميع من اليهود والمنافقين وأنت ترى أن السياق يدفعه.
وكيف كان فالآية تشهد بسياقها على أن المراد بالحسنة والسيئة ما يمكن أن يسند إلى الله سبحانه وقد أسندوا قسما منه إلى الله تعالى وهو الحسنة وقسما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو السيئة فهذه الحسنات والسيئات هي الحوادث التي كانت تستقبلهم بعد ما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ في ترفيع مباني الدين ونشر دعوته وصيته بالجهاد فهى الفتح والظفر والغنيمة فيما غلبوا فيه من الحروب والمغازي والقتل والجرح والبلوى في غير ذلك وإسنادهم السيئات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معنى التطير به أو نسبة ضعف الرأي ورداءة التدبير إليه.
فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن يجيبهم بقوله (قل كل من عند الله فإنها حوادث ونوازل ينظمها ناظم النظام الكونى وهو الله وحده لا شريك له إذ الأشياء إنما تنقاد في وجودها وبقائها وجميع ما يستقبلها من الحوادث له تعالى لا غير. على ما يعطيه تعليم القرآن.
ثم استفهم استفهام متعجب من جمود فهمهم وخمود فطنتهم من فقه هذه الحقيقة وفهمها فقال: (فما لهؤلاء القوم لا يفقهون حديثا). قوله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك لما ذكر أنهم لا يكادون يفقهون حديثا ثم أراد بيان حقيقة الامر صرف الخطاب عنهم لسقوط فهمهم ووجه وجه الكلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين حقيقة ما يصيبه من حسنة أو سيئة لذاك الشأن وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه خصوصية في هذه الحقيقة التي هي من الاحكام الوجودية الدائرة بين جميع الموجودات ولا أقل بين جميع الافراد من الانسان