الرعد: 11) وقوله تعالى (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الأنفال: 53) وغيرها من الآيات.
وتوضيح ذلك أن الآيات السابقة كما عرفت تجعل هذه النوازل السيئة كالحسنات أمورا حسنة في خلقتها فلا يبقى لكونها سيئة إلا أنها لا تلائم طباع بعض الأشياء التي تتضرر بها فيرجع الامر بالآخرة إلى أن الله لم يجد لهذه الأشياء المبتلاة المتضررة بما تطلبه وتشتاق إليه بحسب طباعها فإمساك الجود هذا هو الذي يعد بلية سيئة بالنسبة إلى هذه الأشياء المتضررة كما يوضحه كل الايضاح قوله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) (فاطر: 2). ثم بين تعالى أن إمساك الجود عما أمسك عنه أو الزيادة والنقيصة في إفاضة رحمته إنما يتبع أو يوافق مقدار ما يسعه ظرفه وما يمكنه إن يستوفيه من ذلك قال تعالى فيما ضربه من المثل: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) (الرعد: 17) وقال:
وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) (الحجر: 21) فهو تعالى إنما يعطى على قدر ما يستحقه الشئ وعلى ما يعلم من حاله قال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (الملك: 14).
ومن المعلوم أن النعمة والنقمة والبلاء والرخاء بالنسبة إلى كل شئ ما يناسب خصوص حاله كما يبينه قوله تعالى: (ولكل وجهة هو موليها) (البقرة: 148) فإنما يولى كل شئ ويطلب وجهته الخاصة به وغايته التي تناسب حاله.
ومن هنا يمكنك أن تحدس أن السراء والضراء والنعمة والبلاء بالنسبة إلى هذا الانسان الذي يعيش في ظرف الاختيار في تعليم القرآن أمور مرتبطة باختياره فإنه واقع في صراط ينتهى به بحسن السلوك وعدمه إلى سعادته و شقائه كل ذلك من سنخ ما لاختياره فيه مدخل.
والقرآن الكريم يصدق هذا الحدس قال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الأنفال: 53) فلما في أنفسهم من النيات الطاهرة والأعمال الصالحة دخل في النعمة التي خصوا بها فإذا غيروا غير الله بإمساك رحمته وقال: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) (الشورى: 30) فلأعمالهم تأثير في ما ينزل بهم من النوازل ويصيبهم من المصائب والله يعفو عن كثير منها.