قوله تعالى: (قل متاع الدنيا قليل) (الخ) أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب هؤلاء الضعفاء بما يوضح لهم خطأ رأيهم في ترجيح العيش الدنيوي اليسير على كرامة الجهاد والقتل في سبيل الله تعالى ومحصله أنهم ينبغي أن يكونوا متقين في إيمانهم والحياة الدنيا هي متاع يتمتع به قليل إذا قيس إلى الآخرة والآخرة خير لمن اتقى فينبغي لهم أن يختاروا الآخرة التي هي خير على متاع الدنيا القليل لانهم مؤمنون وعلى صراط التقوى ولا يبقى لهم إلا أن يخافوا أن يحيف الله عليهم ويظلمهم فيختاروا لذلك ما بأيديهم من المتاع على ما يوعدون من الخير وليس لهم ذلك فإن الله لا يظلمهم فتيلا.
وقد ظهر بهذا البيان أن قوله (لمن اتقى) من قبيل وضع الصفة موضع الموصوف للدلالة على سبب الحكم ودعوى انطباقه على المورد والتقدير - والله أعلم - والآخرة خير لكم لأنكم ينبغي أن تكونوا لايمانكم أهل تقوى والتقوى سبب للفوز بخير الآخرة فقوله (لمن اتقى) كالكناية التي فيها تعريض.
قوله تعالى: (أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) البروج جمع برج وهو البناء المعمول على الحصون، ويستحكم بنيانه ما قدر عليه لدفع العدو به وعنه وأصل معناه الظهور ومنه التبرج بالزينة ونحوها والتشييد الرفع وأصله من الشيد وهو الجص لأنه يحكم البناء ويرفعه ويزينه فالبروج المشيدة الابنية المحكمة المرتفعة التي على الحصون يأوى إليها الانسان من كل عدو قادم.
والكلام موضوع على التمثيل بذكر بعض ما يتقى به المكروه وجعله مثلا لكل ركن شديد تتقى به المكاره ومحصل المعنى: أن الموت أمر لا يفوتكم إدراكه ولو لجأتم منه إلى أي ملجأ محكم متين فلا ينبغي لكم أن تتوهموا أنكم لو لم تشهدوا القتال ولم يكتب لكم كنتم في مأمن من الموت وفاته إدراككم فإن أجل الله لات.
قوله تعالى: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) (إلى آخر الآية) جملتان أخريان من هفواتهم حكاهما الله تعالى عنهم وأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبهم عنهما ببيان حقيقة الامر فيما يصيب الانسان من حسنة وسيئة.
واتصال السياق يقضى بكون الضعفاء المتقدم ذكرهم من المؤمنين هم القائلين ذلك قالوا ذلك بلسان حالهم أو مقالهم ولا بدع في ذلك فإن موسى أيضا جبه بمثل هذا المقال