والذي يراه القرآن الشريف أن كل ما يقع عليه اسم الشئ ما خلا الله - عز اسمه مخلوق لله قال تعالى: (الله خالق كل شئ) (الزمر: 62) وقال تعالى: (وخلق كل شئ فقدره تقديرا) (الفرقان - 2). والآيتان تثبتان الخلقة في كل شئ ثم قال تعالى:
الذي أحسن كل شئ خلقة) (السجدة: 7) فأثبت الحسن لكل مخلوق وهو حسن لازم للخلقة غير منفك عنها يدور مدارها.
فكل شئ له حظ من الحسن على قدر حظه من الخلقة والوجود والتأمل في معنى الحسن (على ما تقدم) يوضح ذلك مزيد إيضاح فإن الحسن موافقة الشئ وملاءمته للغرض المطلوب والغاية المقصودة منه و أجزاء الوجود وأبعاض هذا النظام الكونى متلائمة متوافقة وحاشا رب العالمين أن يخلق ما تتنافى أجزاؤه ويبطل بعضه بعضا فيخل بالغرض المطلوب أو يعجزه تعالى أو يبطل ما أراده من هذا النظام العجيب الذي يبهت العقل ويحير الفكرة وقد قال تعالى: (هو الله الواحد القهار) (الزمر: 4) وقال تعالى: (وهو القاهر فوق عباده) (الانعام: 18) وقال تعالى: (وما كان الله ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا) (فاطر: 44) فهو تعالى لا يقهره شئ ولا يعجزه شئ في ما يريده من خلقه ويشاؤه في عباده.
فكل نعمة حسنة في الوجود منسوبة إليه تعالى وكذلك كل نازلة سيئة إلا أنها في نفسها أي بحسب أصل النسبة الدائرة بين موجودات المخلوقة منسوبة إليه تعالى وإن كانت بحسب نسبة أخرى سيئة وهذا هو الذي يفيده قوله تعالى: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) (النساء: 78) وقوله (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) (الأعراف: 131) إلى غير ذلك من الآيات.
وأما جهة السيئة فالقرآن الكريم يسندها في الانسان إلى نفس الانسان بقوله تعالى في هذه السورة ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك: الآية (النساء: 79) وقوله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى: 30) وقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)