قوله تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم إلى قوله أو أشد خشية) كف الأيدي كناية عن الامساك عن القتال لكون القتل الذي يقع فيه من عمل الأيدي وهذا الكلام يدل على أن المؤمنين كانوا في ابتداء أمرهم يشق عليهم ما يشاهدونه من تعدى الكفار وبغيهم عليهم فيصعب عليهم أن يصبروا على ذلك ولا يقابلوه بسل السيوف فأمرهم الله بالكف عن ذلك وإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة ليشتد عظم الدين ويقوم صلبه فيأذن الله لهم في جهاد أعدائه ولولا ذلك لانفسخ هيكل الدين، وانهدمت أركانه وتلاشت أجزاؤه.
ففي الآيات لومهم على أنهم هم الذين كانوا يستعجلون في قتال الكفار ولا يصبرون على الامساك وتحمل الأذى حين لم يكن لهم من العدة والقوة ما يكفيهم للقاء عدوهم فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون العدو وهم ناس مثلهم كخشية الله أو أشد خشية.
قوله تعالى: (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال) ظاهره أنه عطف على قوله (إذا فريق منهم) وخاصة بالنظر إلى تغيير السياق من الفعل المضارع (يخشون الناس) إلى الماضي (قالوا) فالقائل بهذا القول هم الذين كانوا يتوقون للقتال، ويستصعبون الصبر فأمروا بكف أيديهم.
ومن الجائز أن يكون قولهم ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب محكيا عن لسان حالهم كما من الجائز أن يكونوا قائلين ذلك بلسانهم الظاهر فان القرآن يستعمل من هذه العنايات كل نوع.
وتوصيف الاجل الذي هو أجل الموت حتف الانف بالقريب ليس المراد به أن يسألوا التخلص عن القتل والعيش زمانا يسيرا بل ذلك تلويح منهم بأنهم لو عاشوا من غير قتل حتى يموتوا حتف أنفهم لم يكن ذلك إلا عيشا يسيرا وأجلا قريبا فما لله - سبحانه - لا يرضى لهم أن يعيشوا هذه العيشة اليسيرة حتى يبتليهم بالقتل، ويعجل لهم الموت؟
وهذا الكلام صادر منهم لتعلق نفوسهم بهذه الحياة الدنيا التي هي في تعليم القرآن متاع قليل يتمتع به ثم ينقضى سريعا ويعفى أثره، ودونه الحياة الآخرة التي هي الحياة الباقية الحقيقية فهى خير، ولذلك أجيب عنهم بقوله (قل) (الخ).