أنفه، وأرغمه أسخطه وراغمه ساخطه، وتجاهدا على أن يرغم أحدهما الاخر ثم يستعار المراغمة للمنازعة قال الله تعالى: (يجد في الأرض مراغما كثيرا) أي مذهبا يذهب إليه إذا رأى منكرا يلزمه ان يغضب منه كقولك: غضبت إلى فلان من كذا ورغمت إليه (انتهى) فالمعنى: ومن يهاجر في سبيل الله، أي طلبا لمرضاته في التلبس بالدين علما وعملا يجد في الأرض مواضع كثيرة كلما منعه مانع في بعضها من إقامة دين الله استراح إلى بعض آخر بالهجرة إليه لارغام المانع واسخاطه أو لمنازعته المانع ومساخطته، ويجد سعة في الأرض.
وقد قال تعالى في سابق الآيات: (ألم تكن أرض الله واسعة) ولازم التفريع عليه أن يقال: ومن يهاجر يجد في الأرض سعة الا أنه لما زيد قوله (مراغما كثيرا) وهو من لوازم سعة الأرض لمن يريد سلوك سبيل الله قيدت المهاجرة أيضا بكونها في سبيل الله لينطبق على الغرض من الكلام، وهو موعظة المؤمنين القاطنين في دار الشرك وتهييجهم وتشجيعهم على المهاجرة وتطييب نفوسهم.
قوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) (الخ) المهاجرة إلى الله ورسوله كناية عن المهاجرة إلى أرض الاسلام التي يتمكن فيها من العلم بكتاب الله وسنة رسوله، والعمل به.
وادراك الموت استعارة بالكناية عن وقوعه أو مفاجأته فان الادراك هو سعى اللاحق بالسير إلى السابق ثم وصوله إليه، وكذا وقوع الاجر على الله استعارة بالكناية عن لزوم الأجر والثواب له تعالى واخذه ذلك في عهدته، فهناك اجر جميل وثواب جزيل سيوافى به العبد لا محالة، والله سبحانه يوافيه بألوهيته التي لا يعزها شئ ولا يعجزها شئ ولا يمتنع عليها ما أرادته، ولا تخلف الميعاد. وختم الكلام بقوله (وكان الله غفورا رحيما) تأكيدا للوعد الجميل بلزوم توفية الأجر والثواب.
وقد قسم الله سبحانه في هذه الآيات المؤمنين أعني المدعين للايمان من جهة الإقامة في دار الايمان ودار الشرك إلى أقسام، وبين جزاء كل طائفة من هذه الطوائف بما يلائم حالها ليكون عظة وتنبيها ثم ترغيبا في الهجرة إلى دار الايمان، والاجتماع هناك، وتقوية