المؤمن المقتول أيضا على ما يفيده السياق، والميثاق مطلق العهد أعم من الذمة وكل عهد، والمعنى: وإن كان المؤمن المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد وجبت الدية وتحرير الرقبة، وقد قدم ذكر الدية تأكيدا في مراعاة جانب الميثاق.
قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام)، أي من لم يستطع التحرير - لأنه هو الأقرب بحسب اللفظ - وجب عليه صيام شهرين متتابعين.
قوله تعالى: (توبة من الله) (الخ) أي هذا الحكم وهو إيجاب الصيام توبة وعطف رحمة من الله لفاقد الرقبة، وينطبق على التخفيف فالحكم تخفيف من الله في حق غير المستطيع، ويمكن أن يكون قوله (توبة) قيدا راجعا إلى جميع ما ذكر في الآية من الكفارة أعني قوله (فتحرير رقبة) (الخ) والمعنى: أن جعل الكفارة للقاتل خطأ توبة وعناية من الله للقاتل فيما لحقه من درن هذا الفعل قطعا. وليتحفظ على نفسه في عدم المحاباة في المبادرة إلى القتل نظير قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) (البقرة: 179).
وكذا هو توبة من الله للمجتمع وعناية لهم حيث يزيد به في أحرارهم واحد بعد ما فقدوا واحدا، ويرمم ما ورد على أهل المقتول من الضرر المالي بالدية المسلمة.
ومن هنا يظهر أن الاسلام يرى الحرية حياة والاسترقاق نوعا من القتل، ويرى المتوسط من منافع وجود الفرد هو الدية الكاملة. وسنوضح هذا المعنى في ما سيأتي من المباحث.
وأما تشخيص معنى الخطأ والعمد والتحرير والدية وأهل القتيل والميثاق وغيره المذكورات في الآية فعلى السنة. من أراد الوقوف عليها فليراجع الفقه.
قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) التعمد هو القصد إلى الفعل بعنوانه الذي له، وحيث إن الفعل الاختياري لا يخلو من قصد العنوان وكان من الجائز أن يكون لفعل أكثر من عنوان واحد أمكن ان يكون فعل واحد عمديا من جهة خطائيا من أخرى فالرامي إلى شبح وهو يزعم أنه من الصيد وهو في الواقع انسان إذا قتله كان متعمدا إلى الصيد خاطئا في قتل الانسان، وكذا إذا ضرب إنسانا بالعصى قاصدا تأديبه فقتلته الضربة كان القتل قتل خطأ، وعلى هذا فمن يقتل مؤمنا متعمدا هو الذي يقصد بفعله قتل المؤمن عن علم بأنه قتل وان المقتول مؤمن.