لكن تقييده بقوله " بعلمه " يوضح المراد كل الوضوح، ويفيد أن الله سبحانه أنزله إلى رسوله وهو يعلم ما ذا ينزل، ويحيط به ويحفظه من كيد الشياطين.
وإذا كانت الشهادة على الانزال والانزال إنما هو بواسطة الملائكة كما يدل عليه قوله تعالى: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك " (البقرة: 97) وقال تعالى في وصف هذا الملك المكرم: " إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين " (التكوير: 21) فدل على أن تحت أمره ملائكة أخرى وهم الذين ذكرهم إذ قال: " كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة " (عبس: 16). وبالجملة لكون الملائكة وسائط في الانزال فهم أيضا شهداء كما أنه تعالى شهيد وكفى بالله شهيدا.
والدليل على شهادته تعالى ما أنزله في كتابه من آيات التحدي كقوله تعالى: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (أسرى: 88) وقوله " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " (النساء: 82) وقوله " فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله " (يونس: 38).
قوله تعالى: " إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا " لما ذكر تعالى الحجة البالغة في رسالة نبيه ونزول كتابه من عند الله، وأنه من سنخ الوحي الذي اوحى إلى النبيين من قبله وأنه مقرون بشهادته وشهادة ملائكته وكفى به شهيدا حقق ضلال من كفر به وأعرض عنه كائنا من كان من أهل الكتاب.
وفي الآية تبديل الكتاب الذي كان الكلام في نزوله من عند الله بسبيل الله حيث قال: " وصدوا عن سبيل الله " وفيه إيجاز لطيف كأنه قيل: إن الذين كفروا وصدوا عن هذا الكتاب والوحي الذي يتضمنه فقد كفروا وصدوا عن سبيل الله، والذين كفروا وصدوا عن سبيل الله (الخ).
قوله تعالى: " إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم " (الخ) تحقيق وتثبيت آخر مقامة التأكيد من الآية السابقة، وعلى هذا يكون المراد بالظلم هو الصد عن