نعم هاهنا آيات أخر ربما نسبت إليهم الحسنات بعض النسبة كقوله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء) (الأعراف: 96) وقوله وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة: 24) وقوله وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين) (الأنبياء - 86) و الآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
إلا أن الله سبحانه يذكر في كلامه أن شيئا من خلقه لا يقدر على شئ مما يقصده من الغاية ولا يهتدى إلى خير إلا بإقدار الله وهدايته قال تعالى: (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) (طه - 50) وقال تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) (النور - 21) ويتبين بهاتين الآيتين وما تقدم معنى آخر لكون الحسنات لله عز اسمه وهو أن الانسان لا يملك حسنة إلا بتمليك من الله وإيصال منه فالحسنات كلها لله والسيئات للانسان وبه يظهر معنى قوله تعالى (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (الآية).
فلله سبحانه الحسنات بما أن كل حسن مخلوق له والخلق والحسن لا ينفكان، وله الحسنات بما أنها خيرات وبيده الخير لا يملكه غيره إلا بتمليكه ولا ينسب إليه شئ من السيئات فإن السيئة من حيث إنها سيئة غير مخلوقة وشأنه الخلق وإنما السيئة فقدان الانسان مثلا رحمة من لدنه تعالى أمسك عنها بما قدمته أيدي الناس وأما الحسنة والسيئة بمعنى الطاعة والمعصية فقد تقدم الكلام في نسبتهما إلى الله سبحانه في الكلام على قوله تعالى (إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا) (البقرة - 26) في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وأنت لو راجعت التفاسير في هذا المقام وجدت من شتات القول ومختلف الآراء والأهواء وأقسام الاشكالات ما يبهتك وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية للمتدبر في كلامه تعالى وعليك في هذا البحث بتفكيك جهات البحث بعضها عن بعض وتفهم ما يتعارفه القرآن من معنى الحسنة والسيئة والنعمة والنقمة والفرق بين شخصية المجتمع والفرد حتى يتضح لك مغزى الكلام.