إذا قيل ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول كان معناه أن إيتاء الله له العلم والفقه مما عنده وتربيته له بتربية ربانية لا يدعه أن يعدو طور العبودية ولا يوسع له أن يتصرف فيما لا يملكه ولا يحق له كما يحكيه تعالى عن عيسى عليه السلام في قوله وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق: المائدة - 116.
ومن هنا تظهر النكتة في قوله أن يؤتيه الله الخ دون أن يقال ما كان لبشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول الخ فإن العبارة الثانية تفيد معنى أصل التشريع كما تقدم بخلاف قوله أن يؤتيه الله الخ فإنه يفيد أن ذلك غير ممكن البتة أي أن التربية الربانية والهداية الإلهية لا تتخلف عن مقصدها كما قال تعالى أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء يعني قوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين: الانعام - 89.
فمحصل المعنى أنه لا يسع لبشر أن يجمع بين هذه النعم الإلهية وبين دعوة الناس إلى عبادة نفسه بأن يؤتى الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله فالآية بحسب السياق بوجه كقوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون إلى أن قال وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا: النساء - 173 فإن المستفاد من الآية أن المسيح وكذا الملائكة المقربون أجل شأنا وأرفع قدرا أن يستنكفوا عن عبادة الله فإن الاستنكاف عن عبادته يستوجب أليم العذاب وحاشا أن يعذب الله كرام أنبيائه ومقربي ملائكته فان قلت الاتيان بثم الدالة على التراخي في قوله ثم يقول للناس ينافي الجمع الذي ذكرته.
قلت ما ذكرناه من معنى الجمع محصل المعنى وكما يصح اعتبار الاجتماع والمعية بين المتحدين زمانا كذلك يصح اعتباره بين المترتبين والمتتاليين فهو نوع من الجمع.
وأما قوله كونوا عبادا لي من دون الله فالعباد كالعبيد جمع عبد والفرق بينهما أن العباد يغلب استعماله فيما إذا نسب إلى الله سبحانه يقال عباد الله ولا