الوفد نساء ولا أبناء.
وكان عليه أن يضيف إلى ذلك لزوم استعمال الأبناء وهو جمع في التثنية وهو أشنع من استعمال الجمع في المفرد فإن استعمال الجمع في المفرد ربما وجد في كلام المولدين وإن لم يوجد في العربية الأصيلة إلا في التكلم لغرض التعظيم لكن استعمال الجمع في المثنى مما لا مجوز له أصلا.
فهذا هو الذي دعاه إلى طرح الروايات ورميها بالوضع وليس الامر كما توهمه.
توضيح ذلك أن الكلام البليغ إنما يتبع فيه ما يقتضيه المقام من كشف ما يهم كشفه فربما كان المقام مقام التخاطب بين متخاطبين أو قبيلين ينكر أو يجهل كل منهما حال صاحبه فيوضع الكلام على ما يقتضيه الطبع والعادة فيؤتى في التعبير بما يناسب ذلك فأحد القبيلين المتخاصمين إذا أراد أن يخبر صاحبه أن الخصومة والدفاع قائمة بجميع أشخاص قبيله من ذكور وإناث وصغير وكبير فإنما يقول نخاصمكم أو نقاتلكم بالرجال والظعائن والأولاد فيضع الكلام على ما تقتضيه الطبع والعادة فإن العادة تقتضي أن يكون للقبيل من الناس نساء وأولاد والغرض متعلق بأن يبين للخصم أنهم يد واحدة على من يخاصمهم ويخاصمونه ولو قيل نخاصمكم أو نقاتلكم بالرجال والنساء وابنين لنا كان إخبارا بأمر زائد على مقتضى المقام محتاجا إلى عناية زائدة وتعرفا إلى الخصم لنكتة زائدة.
وأما عند المتعارفين والأصدقاء والأخلة فربما يوضع الكلام على مقتضى الطبع والعادة فيقال في الدعوة للضيافة والاحتفال سنقرئكم بأنفسنا ونسائنا وأطفالنا وربما يسترسل في التعرف فيقال سنخدمكم بالرجال والبنت والسبطين الصبيين ونحو ذلك.
فللطبع والعادة وظاهر الحال حكم ولواقع الامر وخارج العين حكم وربما يختلفان فمن بنى كلامه على حكاية ما يعلم من ظاهر حاله ويقضي به الطبع والعادة فيه ثم بدا حقيقة حاله وواقع أمره على خلاف ما حكاه من ظاهر حاله لم يكن غالطا في كلامه ولا كاذبا في خبره ولا لاغيا هازلا في قوله.
والآية جارية على هذا المجرى فقوله فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا