إلا أن تحب بعده وعدم حضوره في أشق الأحوال وعند أعظم الأهوال كما يقول لقرين السوء نظير ذلك قال تعالى نقيض له شيطانا فهو له قرين إلى أن قال حتى إذ جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين: الزخرف - 38.
قوله تعالى ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ذكر التحذير ثانيا يعطي من أهمية المطلب والبلوغ في التهديد ما لا يخفى ويمكن أن يكون هذا التحذير الثاني ناظرا إلى عواقب المعصية في الآخرة كما هو مورد نظر هذه الآية والتحذير الأول ناظرا إلى وبالها في الدنيا أو في الأعم من الدنيا والآخرة.
وأما قوله والله رؤوف بالعباد فهو على كونه حاكيا عن رأفته وحنانه تعالى المتعلق بعباده كما يحكي عن ذلك الاتيان بوصف العبودية والرقية دليل آخر على تشديد التهديد إذ أمثال هذا التعبير في موارد التخويف والتحذير إنما يؤتى بها لتثبيت التخويف وإيجاد الاذعان بأن المتكلم ناصح لا يريد الا الخير والصلاح تقول إياك أن تتعرض لي في أمر كذا فإني آليت أن لا أسامح مع من تعرض لي فيه انما أخبرك بهذا رأفة بك وشفقة.
فيؤل المعنى والله أعلم إلى مثل أن يقال ان الله لرأفته بعباده ينهاهم قبلا أن يتعرضوا لمثل هذه المعصية التي وبال أمرها واقع لا محاله من غير أن يؤثر فيه شفاعة شافع ولا دفع دافع.
قوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله قد تقدم كلام في معنى الحب وأنه يتعلق بحقيقة معناه بالله سبحانه كما يتعلق بغيره في تفسير قوله تعالى " والذين آمنوا أشد حبا لله الآية: البقرة - 165.
ونزيد عليه هيهنا أنه لا ريب أن الله سبحانه على ما ينادي به كلامه إنما يدعو عبده إلى الايمان به وعبادته بالاخلاص له والاجتناب عن الشرك كما قال تعالى " ألا لله الدين الخالص " الزمر - 3 وقال تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " البينة - 5 وقال تعالى " فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " المؤمن - 14 إلى غير ذلك من الآيات.
ولا شك أن الاخلاص في الدين إنما يتم على الحقيقة إذا لم يتعلق قلب الانسان