ولا شفيع ففي الكلام أشد التهديد ويزيد في اشتداده تكراره مرتين في مقام واحد ويؤكده تذييله أولا بقوله وإلى الله المصير وثانيا بقوله و الله رؤوف بالعباد على ما سيجئ من بيانه ومن جهة أخرى يظهر من مطاوي هذه الآية وسائر الآيات الناهية عن اتخاذ غير المؤمنين أولياء أنه خروج عن زي العبودية ورفض لولاية الله سبحانه ودخول في حزب أعدائه لافساد أمر الدين وبالجملة هو طغيان وإفساد لنظام الدين الذي هو أشد وأضر بحال الدين من كفر الكافرين وشرك المشركين فإن العدو الظاهر عداوته المبائن طريقته مدفوع عن الحومة سهل الاتقاء والحذر وأما الصديق والحميم إذا استأنس مع الأعداء ودب فيه أخلاقهم وسننهم فلا يلبث فعاله إلا أن يذهب بالحومة وأهلها من حيث لا يشعرون وهو الهلاك الذي لا رجاء للحياة والبقاء معه.
وبالجملة هو طغيان وأمر الطاغي في طغيانه إلى الله سبحانه نفسه قال تعالى أ لم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد: الفجر - 14 فالطغيان يسلك بالطاغي مسلكا يورده المرصاد الذي ليس به ألا الله جلت عظمته فيصب عليه سوط عذاب ولا مانع.
ومن هنا يظهر إن التهديد بالتحذير من الله نفسه في قوله ويحذركم الله نفسه لكون المورد من مصاديق الطغيان على الله بإبطال دينه وإفساده.
ويدل على ما ذكرناه قوله تعالى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود - 113 وهذه آية ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله أنها شيبته على ما في الرواية فإن الآيتين كما هو ظاهر للمتدبر ظاهرتان في أن الركون إلى الظالمين من الكافرين طغيان يستتبع مس النار استتباعا لا ناصر معه وهو الانتقام الإلهي لا عاصم منه ولا دافع له كما تقدم بيانه.
ومن هنا يظهر أيضا أن في قوله ويحذركم الله نفسه دلالة على أن التهديد إنما هو بعذاب مقضي قضاءا حتما من حيث تعليق التحذير بالله نفسه الدال على عدم