وأن أصله ينتهي إلى اعتبار الاختصاص فهذا حال الملك (بالكسر).
وأما الملك (بالضم) وهو السلطنة على الافراد فهو أيضا من الاعتبارات الضرورية التي لا غنى للانسان عنها لكن الذي يحتاج إليه ابتداءا هو الاجتماع من حيث تألفه من أجزاء كثيرة مختلفة المقاصد متبائنة الإرادات دون الفرد من حيث إنه فرد فإن الافراد المجتمعين لتبائن إراداتهم واختلاف مقاصدهم لا يلبثون دون أن يقع الاختلاف بينهم فيتغلب كل على الآخرين في أخذ ما بأيديهم والتعدي على حومة حدودهم وهضم حقوقهم فيقع الهرج والمرج ويصير الاجتماع الذي اتخذوه وسيلة إلى سعادة الحياة ذريعة إلى الشقاء والهلاك ويعود الدواء دائا ولا سبيل إلى رفع هذه الغائلة الطارية إلا بجعل قوة قاهرة على سائر القوى مسيطرة على جميع الافراد المجتمعين حتى تعيد القوى الطاغية المستعلية إلى حاق الوسط وترفع الدانية المستهلكة إليه أيضا فتتحد جميع القوى من حيث المستوى ثم تضع كل واحدة منها في محلها الخاص وتعطي كل ذي حق حقه.
ولما لم تكن الانسانية في حين من الأحيان خالية الذهن عن فكر الاستخدام كما مر بيانه سالفا لم يكن الاجتماعات في الاعصار السالفة خالية عن رجال متغلبين على الملك مستعلين على سائر الافراد المجتمعين ببسط الرقية والتملك على النفوس والأموال وكانت بعض فوائد الملك الذي ذكرناه وهو وجود من يمنع عن طغيان بعض الافراد على بعض يترتب على وجود هذا الصنف من المتغلبين المستعلين المتظاهرين باسم الملك في الجملة وإن كانوا هم أنفسهم وأعضادهم وجلاوزتهم قوى طاغية من غير حق مرضي وذلك لكونهم مضطرين إلى حفظ الافراد في حال الذلة والاضطهاد حتى لا يتقوى من يثب على حقوق بعض الافراد فيثب يوما عليهم أنفسهم كما أنهم أنفسهم وثبوا على ما في أيدي غيرهم.
وبالجملة بقاء جل الافراد على حال التسالم خوفا من الملوك المسيطرين عليهم كان يصرف الناس عن الفكر في اعتبار الملك الاجتماعي وإنما يشتغلون بحمد سيرة هؤلاء المتغلبين إذا لم يبلغ تعديهم مبلغ جهدهم ويتظلمون ويشتكون إذا بلغ بهم الجهد وحمل عليهم من التعدي ما يفوق طاقتهم.