التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢٢
ورسول الله مستلق على قفاه، ورداؤه تحت رأسه، وقد شد على بطنه حجرا فقلت: يا رسول الله أنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه، فقام مسرعا حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء فغسل وجهه، وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه، ثم شرب ومج (1) من ذلك الماء في فيه، ثم صبه على ذلك الحجر، ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور الشام، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المدائن، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة أخرى فنظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق، ثم انهال (2) علينا الجبل كما ينهال الرمل. فقال جابر: فعلمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقو، أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر، فقلت: يا رسول الله هل لك في الغذاء؟ قال:
ما عندك يا جابر؟ فقلت: عناق، وصاع من شعير، فقال: تقدم وأصلح ما عندك. قال جابر:
فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير، وذبحت العنز وسلختها وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت، فقام (صلى الله عليه وآله) إلى شفير الخندق، ثم قال: يا معاشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابرا. قال جابر: وكان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال: أجيبوا جابرا، فتقدمت وقلت لأهلي: قد والله أتاك محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما لا قبل لك به، فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قال: نعم، قالت: فهو أعلم بما أتى. قال جابر: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر في القدر، ثم قال: اغرفي وأبقي ثم نظر في التنور، ثم قال: أخرجي وأبقي، ثم دعا بصحفة وثرد فيها وغرف، فقال: يا جابر أدخل علي عشرة عشرة، فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر علي بالذراع، فأتيته بالذراع، فأكلوه، ثم قال: أدخل علي عشرة فأدخلتهم حتى أكلوا ونهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر علي بالذراع فأكلوا وخرجوا، ثم قال: أدخل علي عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر علي بالذراع؟ فأتيته فقلت يا رسول الله كم للشاة من الذراع قال: ذراعان فقلت:
والذي بعثك بالحق لقد أتيتك بثلاثة، فقال: أما لو سكت يا جابر لأكل الناس كلهم من

١ - مج الماء من فمه مجا - من باب قتل -: لفظه ورمى به. مجمع البحرين: ج ٢، ص 329، مادة " مجج ".
2 - هال عليه التراب يهيل هيلا، وأهاله فانهال: صبه فانصب. مجمع البحرين: ج 5، ص 501، مادة " هيل ".
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»