في الله لومة لائم، فقالت الأوس: وا قوماه ذهبت والله بنو قريظة إلى آخر الدهر، وبكى النساء والصبيان إلى سعد فلما سكتوا، قال لهم سعد: يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى قد رضينا بحكمك والله قد رجونا نصفك ومعروفك وحسن نظرك، فعاد عليهم القول، فقالوا:
بلى يا أبا عمرو، فالتفت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إجلالا له، فقال له: ما ترى بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ فقال: احكم فيهم يا سعد فقد رضيت بحكمك فيهم.
فقال: قد حكمت يا رسول الله أن تقتل رجالهم، وتسبى نساءهم وذراريهم، وتقسم غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار.
فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قد حكمت بحكم الله عز وجل فوق سبعة أرقعة (1)، ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما زال ينزفه الدم حتى قضى، وساقوا الأسارى إلى المدينة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأخدود فحفرت بالبقيع، فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه.
فقال حيي بن أخطب: لكعب بن أسيد ما ترى يصنع بهم؟ فقال له: ما يسؤك أما ترى الداعي لا يقلع (2)، والذي يذهب لا يرجع فعليكم بالصبر والثبات على دينكم، فأخرج كعب ابن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه، وكان جميلا وسيما (3)، فلما نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: يا كعب أما نفعك وصية ابن الحواس الحبر الذكي، الذي قدم عليكم من الشام، فقال: تركت الخمر والخمير، وجئت إلى البؤس (4) والتمور لنبي يبعث مخرجه بمكة، ومهاجره في هذه البحيرة، يجتزي بالكسيرات والتميرات، ويركب الحمار العري، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فقال: قد كان ذلك يا محمد، ولولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك، ولكني