التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج ١ - الصفحة ٢٦
أقول: وجه التوفيق أن المراد بالأسماء، أسماء الله الحسنى التي بها خلقت المخلوقات كما أشير إليها في أدعية أهل البيت - عليهم السلام - بقولهم: " وبالاسم الذي خلقت به العرش، وبالاسم الذي خلقت به الكرسي، وبالاسم الذي خلقت به الأرواح " (1)، إلى غير ذلك. وإنما اختص كل مخلوق باسم، بسبب غلبة ظهور الصفة التي دل عليها ذلك الاسم فيه، كما أشير إليه في الحديث القدسي: " يا آدم هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي، شققت له اسما من اسمي، وهذا علي وأنا العلي العظيم، شققت له اسما من اسمي " (2) الحديث. وإنما أضيفت في الحديث تارة إلى المخلوقات كلها، لأنها كلها مظاهرها التي فيها ظهرت صفاتها متفرقة، وأخرى إلى الأولياء والأعداء، لأنهما مظاهرها التي فيها ظهرت صفاتها مجتمعة، أي ظهرت صفات اللطف كلها في الأولياء، وصفات القهر كلها في الأعداء. والمراد بتعليمها آدم كلها، خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة، حتى استعد لادراك أنواع المدركات، من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات، وإلهامه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأصول العلم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها والتمييز بين أولياء الله وأعدائه، فتأتي له بمعرفة ذلك كله مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها، وجامعيته جميع كمالات الوجود اللائقة به، حتى صار منتخبا لكتاب الله الكبير الذي هو العالم الأكبر، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: " وفيك انطوى العالم الأكبر " (3).
(ثم عرضهم على الملائكة) أي: عرض أشباح المخلوقات جميعا المدلول عليها بالأسماء كلها. وفي الرواية الأخيرة: " إنه عرض أشباحهم حين كونهم أنوارا في

1 - البلد الأمين: 411 - 412، والبحار 90: 254 - 255، وهو دعاء الأسماء الحسنى.
2 - تفسير الإمام عليه السلام: 220.
3 - ديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام: 41. والمصرع الأول: " وتحسب أنك جرم صغير ".
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست