(مثلهم) أي: حالهم العجيبة. وإنما يضرب الله الأمثال للناس في كتابه لزيادة التوضيح والتقرير، فإنها أوقع في القلب وأقمع للخصم. (كمثل الذي استوقد نارا) قال: " ليبصر بها ما حوله " (1). (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) " بإرسال ريح أو مطر أطفأها، وذلك أنهم أبصروا بظاهر الايمان الحق والهدى، وأعطوا أحكام المسلمين، فلما أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم، أماتهم الله وصاروا في ظلمات عذاب الآخرة ". كذا ورد (2). (وتركهم في ظلمت لا يبصرون) قال: " بأن منعهم المعاونة واللطف، وخلى بينهم وبين اختيارهم " (3).
(صم بكم عمى) قال: " يعني في الآخرة، كما قال عز وجل: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما " (4).
أقول: وفي الدنيا أيضا في بواطنهم من أمور الآخرة، لأنهم سدوا مسامعهم من الاصغاء إلى الحق، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن يتبصروا الآيات بأبصارهم. (فهم لا يرجعون) عن الضلالة التي اشتروها إلى الهدى الذي باعوه وضيعوه.
(أو كصيب من السماء): أو كمطر من العلا. قيل: يعني مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر، إذ به حياة القلوب، كما أن بالمطر حياة الأرض (5). (فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت). مثل الشبهات والمصيبات بالظلمات، والتخويف والوعيد بالرعد، والآيات الباهرة المتضمنة للتبصير والتسديد بالبرق، وتصاممهم عما يسمعون من الوعيد، وما يطرقون به من النكايات (6) بحال من يهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنه عنها، مع أنه لا خلاص له