الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٨٦
كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم. كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون. ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون. لا يستوى أصحاب
____________________
أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم (كمثل الذين من قبلهم) أي مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب. فإن قلت: بم انتصب (قريبا)؟ قلت: بمثل على كوجود مثل أهل بدر قريبا (ذاقوا وبال أمرهم) سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم كلأ وبيل وخيم سئ العاقبة: يعنى ذاقوا عذاب القتل في الدنيا (ولهم) في الآخرة عذاب النار. مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ثم متاركتهم لهم وإخلافهم (كمثل الشيطان) إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة والمراد استغواؤه قريشا يوم بدر وقوله لهم - لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم - إلى قوله - إني برئ منكم - وقرأ ابن مسعود خالدان فيها على أنه خبر إن وفى النار لغو، وعلى القراءة المشهورة الظرف مستقر وخالدين فيها حال. وقرئ أنا برئ وعاقبتهما بالرفع. كرر الأمر بالتقوى تأكيدا واتقوا الله في أداء الواجبات لأنه قرن بما هو عمل، واتقوا الله في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجرى مجرى الوعيد. والغد يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له، وعن الحسن: لم يزل يقربه حتى جعله كالغد، ونحوه قوله تعالى - كأن لم تغن بالأمس - يريد تقريب الزمان الماضي.
وقيل عبر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهاران يوم وغد. فإن قلت: ما معنى تنكير النفس والغد؟ قلت:
أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة كأنه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك، وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لعظمه. وعن مالك بن دينار: مكتوب على باب الجنة:
وجدنا ما عملنا ربحنا ما قدمنا خسرنا ما خلفنا (نسوا الله) نسوا حقه فجعلهم ناسين حق أنفسهم بالخذلان حتى لم
(٨٦)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»