الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٩٧
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون.
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.
____________________
وعن الحسن: نزلت في المنافقين ونداؤهم بالإيمان تهكم بهم وبإيمانهم هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه. قصد في (كبر) التعجب من غير لفظه كقوله * غلت ناب كليب بواؤها * ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب لا يكون إلا من شئ خارج عن نظائره وأشكاله، وأسند إلى أن تقولوا ونصب (مقتا) على تفسيره دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه، ومنه قيل: نكاح المقت للعقد على الرابة. ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيرا حتى جعل أشده وأفحشه، و (عند الله) أبلغ من ذلك لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله فقد تم كبره وشدته وانزاحت عند الشكوك.
وعن بعض السلف أنه قيل له حدثنا فسكت، ثم قيل له حدثنا فقال: تأمرونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله. في قوله (إن الله يجب الذين يقاتلون في سبيله) عقيب ذكر مقت المخلف دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار فلم يفوا. وقرأ زيد بن علي يقاتلون بفتح التاء، وقرئ يقتلون (صفا) صافين أنفسهم أو مصفوفين (كأنهم) في تراصهم من غير فرجة ولا خلل (بنيان) رص بعضه إلى بعض ورصف وقيل يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص. وعن بعضهم: فيه دليل على فضل القتال راجلا لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة، وقوله - صفا - كأنهم بنيان حالان متداخلتان
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»