الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٨١
وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار . ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار. ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب.
ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليجزى الفاسقين.
____________________
المؤمنين؟ قلت: لما عرضوهم لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوهم إياه (فاعتبروا) بما دبر الله ويسر من أمر إخراجهم وتسليط المسلمين عليهم من غير قتال. وقيل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يورثهم الله أرضهم وأموالهم بغير قتال فكان كما قال: يعنى أن الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم، فلولا أنه كتب عليهم الجلاء واقتضته حكمته ودعاه إلى إختياره أنه أشق عليهم من الموت (لعذبهم في الدنيا) بالقتل كما فعل بإخوانهم بني قريظة (ولهم) سواء أجلوا أو قتلوا (عذاب النار) يعنى إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة (من لينة) بيان لما قطعتم ومحل ما نصب بقطعتم كأنه قال: أي شئ قطعتم؟ وأنث الضمير الراجع إلى " ما " في قوله " أو تركتموها) لأنه في معنى اللينة واللينة النخلة من الألوان وهى ضروب النخل ما خلا العجوة والبرنية وهما أجود النخيل، وياؤها عن واو قلبت لكسرة ما قبلها كالديمة. وقيل اللينة: النخلة الكريمة كأنهم اشتقوها من اللين. قال ذو الرمة:
كأن قتودي فوقها عش طائر * على لينة سوقاء تهفو جنوبها وجمعها لين. وقرئ قوما وعلى أصلها، وفيه وجهان: أنه جمع أصل كرهن ورهن، أو اكتفى فيه بالضمة عن الواو. وقرئ قائما على أصوله ذهابا إلى لفظ ما (فبإذن الله) فقطعها بإذن الله وأمره (وليخزي الفاسقين) وليذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر أن تقطع نخلهم وتحرق قالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها، فكان في أنفس المؤمنين من ذلك شئ فنزلت، يعنى أن الله أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا ويضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف أحبوا ويتصرفون فيها ما شاءوا. واتفق العلماء أن حصول الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق، وكذلك أشجارهم لا يأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة. وعن ابن مسعود:
قطعوا منها ما كان موضعا للقتال. فإن قلت: لم خصت اللينة بالقطع؟ قلت: إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية، وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشد وأشق. وروى أن رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة والآخر اللون، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا تركتها لرسول الله،
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»