الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٩٠
إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون. لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير. قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براءا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ
____________________
أن يكون سبب إيمانهم جعلوه سببا لكفرهم (إن يثقفوكم) إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم (يكونوا لكم أعداء) خالصي العداوة ولا يكونوا أولياء كما أنتم (ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) بالقتال والشتم. وتمنوا لو ترتدون عن دينكم فإذن موادة أمثالهم ومناصحتهم خطأ عظيم منكم ومغالطة لأنفسكم ونحوه قوله تعالى - لا يألونكم خبالا - فإن قلت: كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله ثم قال (وودوا) بلفظ الماضي؟ قلت: الماضي وإن كان يجرى في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإن فيه نكتة كأنه قيل: وودوا قبل كل شئ كفركم وارتدادكم: يعنى أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض ورودكم كفارا أسبق المضار عندهم وأولها، لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم لأنكم بذالون لها دونه، والعدو أهم شئ عنده أن يقصد أعز شئ عند صاحبه (لن تنفعكم أرحامكم) أي قراباتكم (ولا أولادكم) الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم. ثم قال (يوم القيامة يفصل بينكم) وبين أقاربكم وأولادكم - يوم يفر المرء من أخيه - الآية فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحق من يفر منكم غدا، خطأ رأيهم في موالاة الكفار بما يرجع إلى حال من والوه أولا ثم بما يرجع إلى حال من اقتضى تلك الموالاة ثانيا ليريهم أن ما أقدموا عليه من أي جهة نظرت فيه وجدته باطلا، قرئ يفصل ويفصل على البناء للمفعول. ويفصل ويفصل على البناء للفاعل وهو الله عز وجل، ونفصل ونفصل بالنون. قرئ أسوة وإسوة وهو اسم المؤتسي به: أي كان فيهم مذهب حسن مرضى بأن يؤتسى به ويتبع أثره وهو قولهم لكفار قومهم ما قالوا حيث كاشفوهم بالعداوة وقشروا لهم العصا وأظهروا البغضاء والمقت، وصرحوا بأن سبب عداوتهم وبغضائهم ليس إلا كفرهم بالله وما دام هذا السبب قائما كانت العداوة قائمة حتى إن أزالوه وآمنوا بالله وحده انقلبت العداوة موالاة والبغضاء محبة والمقت مقة فأفصحوا عن محض الإخلاص، ومعنى (كفرنا بكم) وبما تعبدون من دون الله أنا لا نعتد بشأنكم ولا بشأن آلهتكم وما أنتم عندنا على شئ. فإن قلت: مم استثنى قوله (إلا قول إبراهيم)؟ قلت: من قوله أسوة حسنة لأنه أراد بالأسوة الحسنة قولهم الذي حق عليهم أن يأتسوا به ويتخذوا سنة يستنون بها. فإن قلت: فإن كان قوله (لأستغفرن لك) مستثنى
(٩٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»