الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٨٥
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون. لئن أخرجوا لا يخرجون معهن ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون. لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون. لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار، بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون.
____________________
من بعد، وقيل التابعون بإحسان (غلا) وقرئ غمرا وهما الحقد (لإخوانهم) للذين بينهم وبينهم أخوة الكفر، ولأنهم كانوا يوالونهم ويؤاخونهم وكانوا معهم على المؤمنين في السر ولا نطيع فيكم في قتالكم أحدا من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه أو في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة (لكاذبون) أي في مواعيدهم لليهود، وفيه دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيوب. فإن قلت: كيف قيل (ولئن نصروهم) بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم؟ قلت: معناه ولئن نصروهم على الفرض والتقدير كقوله تعالى - لئن أشركت ليحبطن عملك - وكما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون، والمعنى: ولئلا نصر المنافقون اليهود لينهز من المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك: أي يهلكهم الله تعالى ولا ينفعكم نفاقهم لظهور كفرهم، أو لينهز من اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين (رهبة) مصدر رهب المبنى للمفعول كأنه قيل أشد مرهوبية، وقوله (في صدورهم) دلالة على نفاقهم، يعنى أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم من الله. فإن قلت: كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى تكون رهبتهم منهم أشد. قلت: معناه أن رهبتهم في السر منكم أشد من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم وكانوا يظهرون لهم رهبة شديدة من الله. ويجوز أن يريد أن اليهود يخافونكم في صدورهم أشد من خوفهم من الله لأنهم كانوا قوما أولى بأس ونجدة فكانوا يتشجعون لهم مع إضمار الخليفة في صدورهم (لا يفقهون) لا يعلمون الله وعظمته حتى يخشوا حق خشيته (لا يقاتلونكم) لا يقدرون على مقاتلتكم (جميعا) مجتمعين متساندين يعنى اليهود والمنافقين (إلا) كائنين (في قرى محصنة) بالخنادق والدروب (أو من وراء جدر) دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم لقذف الله الرعب في قلوبهم وأن تأييد الله تعالى ونصرته معكم، وقرئ جدر بالتخفيف وجدار وجدر وجدروهما الجدار (بأسهم بينهم شديد) يعنى أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة، لأن الشجاع يجبن والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله (تحسبهم جميعا) مجتمعين ذوي ألفة واتحاد (وقلوبهم شتى) متفرقة لا ألفة بينها: يعنى أن بينهم إحنا وعداوات فلا يتعاضدون حق التعاضد ولا يرمون عن قوس واحدة، وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم (قوم لا يعقلون)
(٨٥)
مفاتيح البحث: أهل الكتاب (1)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»