الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٧٨
ألا إنهم هم الكاذبون. استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون. إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين. كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز. لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم
____________________
من النفع: يعنى ليس العجب من حلفهم لكم فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر. وأن لهم نفعا في ذلك دفعا عن أرواحهم واستجرار فوائد دنيوية وأنهم يفعلونه في دار لا يضطرون فيها إلى علم ما يوعدون، ولكن العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة مع عدم النفع والاضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرسل، والمراد وصفهم بالتوغل في نفاقهم ومرونهم عليه، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل كما قال - ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه - وقد اختلف العلماء في كذبهم في الآخرة والقرآن ناطق بثباته نطقا مكشوفا كما ترى في هذه الآية وفى قوله تعالى - والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون - ونحو حسبانهم أنهم على شئ من النفع إذا حلفوا استنظارهم المؤمنين ليقتبسوا من نورهم لحسبان أن الإيمان الظاهر ما ينفعهم، وقيل عند ذلك يختم على أفواههم (ألا إنهم هم الكاذبون) يعنى أنهم الغاية التي لا مطمح وراءها في قول الكذب حيث استوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة (استحوذ عليهم) استولى عليهم من حاز الحمار العانة إذا جمعها وساقها غالبا لها، ومنه كان أحوذيا نسيج وحده، وهو أحد ما جاء على الأصل نحو استصوب واستنوق: أي ملكهم (الشيطان) لطاعتهم له في كل ما يريده منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه (فأنساهم) أن يذكروا الله أصلا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم قال أبو عبيدة: حزب الشيطان جنده (في الأذلين) في جملة من هو أذل خلق الله لا ترى أحدا أذل منهم (كتب الله) في اللوح (لأغلبن أنا ورسلي) بالحجة والسيف أو بأحدهما (لا تجد قوما) من باب التخييل خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوالون المشركين. والغرض به أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع، ولا يوجد بحال مبالغة في النهى عنه والزجر عن ملابسته والتوصية بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم، وزاد ذلك تأكيدا وتشديدا بقوله (ولو كانوا آباءهم) وبقوله أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وبمقابلة قوله أولئك حزب الشيطان بقوله أولئك حزب الله فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه بل هو الإخلاص بعينه (كتب في قلوبهم الإيمان) أثبته فيها بما وفقهم فيه وشرح له صدورهم (وأيدهم بروح منه) بلطف من عنده حييت به قلوبهم. ويجوز أن يكون الضمير للإيمان: أي بروح من الإيمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به. وعن الثوري أنه قال: كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان. وعن عبد العزيز بن أبي رواد أنه لقيه المنصور في الطواف، فلما عرفه هرب منه وتلاها. وعن النبي
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»