الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٨٠
هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا
____________________
قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم، فجلوا عن الشأم إلى أريحا وأذرعات، إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل يحيى بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة. اللام في لأول الحشر تتعلق بأخرج وهى اللام، قوله تعالى - يا ليتني قدمت لحياتي - وقولك جئته لوقت كذا، والمعنى: أخرج الذين كفروا عند أول الحشر ومعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشأم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط، وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشأم. أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشأم، وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام. وعن عكرمة: ومن شك أن المحشر ههنا: يعنى الشأم فليقرأ هذه الآية. وقيل معناه: أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ظننتم أن يخرجوا) لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثر عددهم وعدتهم. وظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله فأتاهم أمر الله (من حيث لم يحتبسوا) من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرة على يد أخيه، وذلك مما أضعف قوتهم وقل من شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب، وألهمهم أن يوافقوا المؤمنين في تخريب بيوتهم ويعينوا على أنفسهم، وثبط المنافقين الذين كانوا يتولونهم هو مظاهرتهم، وهذا كله لم يكن في حسبانهم ومنه أتاهم الهلاك. فإن قلت: أي فرق بين قولك وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم وبين النظم الذي جاءت عليه؟ قلت: في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم وفى تصيير ضميرهم اسما، لأن وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم وليس ذلك في قولك وظنوا أن حصونهم تمنعهم. وقرئ فآتاهم الله: أي فأتاهم الهلاك والرعب الخوف الذي يرعب الصدر: أي يملؤه. وقذفه إثباته وركزه، ومنه قالوا في صفة الأسد مقذف كأنما قذف باللحم قذفا لاكتنازه وتداخل أجزائه.
وقرئ يخربون ويحزبون مثقلا ومحففا، والتخريب والإخراب الإفساد بالنقض والهدم، والخربة الفساد، كانوا يخربون بواطنها والمسلمون ظواهرها لما أراد الله من استئصال شأفتهم وأن لا يبقى لهم بالمدينة دار ولا منهم ديار، والذي دعاهم إلى التخريب حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الأزقة، وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين، وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب والساج، وأما المؤمنون فداعيهم إزالة متحصنهم ومتمنعهم وأن يتسع لهم مجال الحرب. فإن قلت: ما معنى تخريبهم لها بأيدي
(٨٠)
مفاتيح البحث: أهل الكتاب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»