الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٥٩
في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون. تنزيل من رب العالمين. أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون. فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون. ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين. فأما إن كان من المقربين،
____________________
واعترض بلو تعلمون بين الموصوف وصفته، وقيل مواقع النجوم: أوقات وقوع نجوم القرآن: أي أوقات نزولها كريم حسن مرضى في جنسه من الكتب، أو نفاع جم المنافع، أو كريم على الله (في كتاب مكنون) مصون من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم، وهم المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها، إن جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح، وإن جعلتها صفة للقرآن فالمعنى: لا ينبغي أن يمسه إلا ما هو على الطهارة من الناس: يعنى مس المكتوب منه، ومن الناس من حمله على القراءة أيضا. وعن ابن عمر: أحب إلى أن لا يقرأ إلا وهو طاهر. وعن ابن عباس في رواية أنه كان يبيح القراءة للجنب، ونحوه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " أي لا ينبغي له أن يظلمه أو يسلمه. وقرئ المتطهرون والمطهرون بالإدغام، والمطهرون من أطهره بمعنى طهره، والمطهرون بمعنى يطهرون أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والوحي الذي ينزلونه (تنزيل) صفة رابعة للقرآن: أي منزل من رب العالمين، أو وصف بالمصدر لأنه نزل نجوما من بين سائر كتب الله تعالى فكأنه في نفسه تنزيل، ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه فقيل جاء في تنزيل كذا ونطق به التنزيل، أو هو تنزيل على حذف المبتدأ. وقرئ تنزيل على نزل تنزيلا (أفبهذا الحديث) يعنى القرآن (أنتم مدهنون) أي متهاونون به كمن يدهن في الأمر: أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) على حذف المضاف: يعنى وتجعلون شكر رزقكم التكذيب: أي وضعتم التكذيب موضع الشكر، وقرأ علي رضي الله عنه: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون به. وقيل هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: وتجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به. وقيل نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليها والرزق المطر: يعنى وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم. وقرئ تكذبون وهو قولهم في القرآن شعر وسحر وافتراء. وفى المطر هو من الأنواء، ولأن كل مكذب بالحق كاذب. ترتيب الآية: فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، وفلولا الثانية مكررة للتوكيد، والضمير في ترجعونها للنفس وهى الروح وفى أقرب إليه للمحتضر (غير مدينين) غير مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم. ونحن أقرب إليه منكم يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة الموت، والمعنى:
أنكم في جحودكم أفعال الله تعالى وآياته في كل شئ إن أنزل عليكم كتابا معجزا قلتم سحر وافتراء، وإن أرسل إليكم رسولا قلتم ساحر كذاب، وإن رزقكم مطرا يحييكم به قلتم صدق نوء كذا على مذهب يؤدى إلى الإهمال والتعطيل، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثم قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدئ المعيد (فأما إن كان) المتوفى (من المقربين) من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»