الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٥٣
ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين. على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. لا يصدعون عنها ولا ينزفون.
____________________
قال: وجاءت إليهم ثلة خندفية * بجيش كتيار من السيل مزبد وقوله عز وجل (وقليل من الآخرين) كفى به دليلا على الكثرة وهى من الثل وهو الكسر، كما أن الأمة من الأم وهو الشج كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم، والمعنى: أن السابقين من الأولين كثير وهم الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم (وقليل من الآخرين) وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل من الأولين من متقدمي هذه الأمة ومن الآخرين من متأخريها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " الثلتان جميعا من أمتي ". فإن قلت: كيف قال: وقليل من الآخرين، ثم قال: وثلة من الآخرين؟ قلت: هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين، وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعا. فإن قلت: فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين.
قلت: هذا لا يصح لأمرين: أحدهما أن هذه الآية واردة في السابقين ورودا ظاهرا، وكذلك الثانية في أصحاب اليمين، ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم على السابقين ووعدهم. والثاني أن النسخ في الأخبار غير جائز. وعن الحسن رضي الله عنه: سابقوا الأمم أكثر من سابقي أمتنا وتابعوا الأمم مثل تابعي هذه الأمة. وثلة خبر مبتدأ محذوف: أي هم ثلة (موضونة) مرمولة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت قد دوخل بعضها في بعض كما توضن حلق الدرع، قال الأعشى * ومن نسج داود موضونة * وقيل متواصلة أدنى بعضها من بعض (متكئين) حال من الضمير في علي وهو العامل فيها: أي استقروا عليها متكئين (متقابلين) لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب (مخلدون) مبقون أبدا على شكل الولدان وحد الوصافة لا يتحولون عنه. وقيل مقرطون، والخلدة القرط. وقيل هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها. روى عن علي رضي الله عنه وعن الحسن، وفى الحديث " أولاد الكفار خدام أهل الجنة ". الأكواب أوان بلا عرى وخراطيم، والأباريق ذوات الخراطيم (لا يصدعون عنها) أي بسببها
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»