الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٥٣
ويأكلون التراث أكلا لما. ويحبون المال حبا جما. كلا إذا دكت الأرض دكا دكا. وجاء ربك والملك صفا صفا. وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى. يقول يا ليتني قدمت لحياتي. فيومئذ لا يعذب عذابه أحد.
____________________
يكرمون وما بعده بالياء والتاء. وقرئ تحاضون أي يحض بعضكم بعضا، وفى قراءة ابن مسعود ولا تحاضون بضم التاء من المحاضة (أكلا لما) ذا لم وهو الجمع بين الحلال والحرام، قال الحطيئة:
إذا كان لما يتبع الذم ربه * فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا يعنى أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم من الميراث ونصيب غيرهم. وقيل كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ويأكلون تراثهم مع تراثهم. وقيل يأكلون ما جمعه الميت من الظلمة وهو عالم بذلك، فيلم في الاكل بين حلاله وحرامه. ويجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلا من غير أن يعرق فيه جبينه وفيسرف في إنفاقه ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه كما يفعل الوراث البطالون (حبا جما) كثيرا شديدا مع الحرص والشره ومنع الحقوق (كلا) ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرطوا فيه حين لاتنفع الحسرة. ويومئذ بدل من (إذا دكت الأرض) وعامل النصب فيهما يتذكر (دكا دكا) دكا بعد دك كقوله حسبته بابا بابا: أي كرر عليها الدك حتى عادت هباء منبثا. فإن قلت: ما معنى إسناد المجئ إلى الله، والحركة والانتقال إنما يجوزان على من كان في جهة؟ قلت: هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قهره وسلطانه، مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة مالا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم (صفا صفا) ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والانس (وجئ يومئذ بجهنم) كقوله - وبرزت الجحيم - وروى " أنها لما نزلت تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه حتى اشتد على أصحابه، فأخبروا عليا رضي الله عنه فجاء فاحتضنه من خلفه وقبله بين عاتقيه ثم قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم وما الذي غيرك؟ فتلا عليه الآية، فقال على له: كيف يجاء بها؟ قال: يجئ بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع " أي يتذكر ما فرط فيه أو يتعظ (وأنى له الذكرى) ومن أين له منفعة الذكرى لابد من تقدير حذف مضاف وإلا فبين يوم يتذكر وبين وأنى له الذكرى تناف وتناقض (قدمت لحياتي) هذه وهى حياة الآخرة أو وقت حياتي في الدنيا، كقولك جئته لعشر ليال خلون من رجب، وهذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقا بقصدهم وإرادتهم وأنهم لم يكونوا محجوبين عن الطاعات مجبرين على المعاصي كمذهب أهل الأهواء والبدع، وإلا فما معنى التحسر. قرئ بالفتح يعذب ويوثق وهى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي عمرو أنه رجع إليها في آخر عمره. والضمير للانسان الموصوف، وقيل هو أبى
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»