الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٥٨
(والنهار إذا جلاها. والليل إذا يغشاها. والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها.
ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها.)
____________________
طالعا عند غروبها آخذا من نورها، وذلك في النصف الأول من الشهر. وقيل إذا استدار فتلاها في الضياء والنور (إذا جلاها) عند انتفاخ النهار وانبساطه، لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء. وقيل الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقولهم أصبحت باردة يريدون الغداة، وأرسلت يريدون السماء.
إذا يغشاها: فتغيب وتظلم الآفاق. فإن قلت: الأمر في نصب إذا معضل، لأنك لا تخلو إما أن تجعل الواوات عاطفة فتنصب بها وتجر فتقع في العطف على عاملين في نحو قولك: مررت أمس بزيد واليوم عمرو، وإما أن تجعلهن للقسم فتقع فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه. قلت: الجواب فيه أن واو القسم مطرح معها إبراز الفعل اطراحا كليا فكان لها شأن خلاف شأن الياء حيث أبرز معها الفعل وأضمر، فكانت الواو قائمة مقام الفعل والباء سادة مسدهما معا والواوات العواطف نوائب عن هذه الواو فحققن أن يكن عوامل على الفعل والجار جميعا كما تقول: ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما.
جعلت ما مصدرية في قوله - وما بناها - وما طحاها - وما سواها - وليس بالوجه لقوله - فألهمها - وما يؤدي إليه من فساد النظم. والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل: والسماء والقادر العظيم الذي بناها ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، وفي كلامهم: سبحان ما سخركن لنا. فإن قلت: لم نكرت النفس؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يريد نفسا خاصة من بين النفوس وهي نفس آدم كأنه قال وواحدة من النفوس. والثاني أن يريد كل نفس وينكر للتكثير على الطريقة المذكورة في قوله - علمت نفس -. ومعنى إلهام الفجور والتقوى: إفهامهما وإعقالهما، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح، وتمكينه من
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»