ووجدك ضالا فهدى.
____________________
لظهور المحذوف. فإن قلت: كيف اتصل قوله (وللآخرة خير لك من الأولى) بما قبله؟ قلت: لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك وأنك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجل منه، أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل، وهو السبق والتقدم على جميع أنبياء الله ورسله وشهادة أمته على سائر الأمم ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته وغير ذلك من الكرامات السنية (ولسوف يعطيك ربك فترضى) موعد شامل لما أعطاه في الدنيا من الفلج والظفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة، ودخول الناس في الدين أفواجا، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم، وبث عساكره وسراياه في بلاد العرب، وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن، وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة وأنهبهم من كنوز الأكاسرة، وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام وفشو الدعوة واستيلاء المسلمين، ولما ادخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله. قال ابن عباس رضي الله عنهما: له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قلت: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ قلت: هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في لأقسم أن المعنى: لأنا أقسم، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء، فلام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التوكيد، فبقى أن تكون لام ابتداء ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر وأن يكون أصله ولأنت سوف يعطيك. فإن قلت: ما معنى الجمع بين حرفي التوكيد والتأخير؟ قلت: معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة. عدد عليه نعمه وأياديه وإنه لم يخله منها من أول تربيه وابتداء نشئة ترشيحا لما أراد به ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير والكرامة ولا يضيق صدره ولا يقل صبره، و (ألم يجدك) من الوجود الذي بمعنى العلم والمنصوبان مفعولا وجد، والمعنى: ألم تكن يتيما، وذلك أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين فكفله عمه أبو طالب وعطفه الله عليه فأحسن تربيته. ومن بدع التفاسير أنه من قولهم درة يتيمة، وأن المعنى: ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير فآواك. وقرئ فأوى، وهو على معنيين: إما من أواه بمعنى آواه، سمع بعض الرعاة يقول: أين آوي هذه الموقسة، وإما من أوى له إذا رحمه (ضالا) معناه الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع كقوله - ما كنت تدري ما الكتاب - وقيل ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبد المطلب، وقيل أضلته حليمة