الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٠٧
الذي هم فيه مختلفون. كلا سيعلمون. ثم كلا سيعلمون. ألم نجعل الأرض مهادا.
والجبال أوتادا. وخلقناكم أزواجا. وجعلنا نومكم سباتا. وجعلنا الليل لباسا.
وجعلنا النهار معاشا. وبنينا فوقكم سبعا شدادا. وجعلنا سراجا وهاجا.
____________________
قد زعمت أن الضمير في يستاءلون للكفار فما تصنع بقوله (هم فيه مختلفون)؟ قلت: كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث ومنهم من يشك. وقيل الضمير للمسلمين والكافرين جميعا وكانوا جميعا يسألون عنه، أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا وأما الكافر فليزداد استهزاء. وقيل المتساءل عنه القرآن، وقيل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقرئ يساءلون بالادغام وستعلمون بالتاء (كلا) ردع للمتسائلين هزؤا، و (سيعلمون) وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون أن ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق لأنه وقع لا ريب فيه، وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك، ومعنى (ثم) الاشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الأول وأشد. فإن قلت: كيف اتصل به قوله (ألم نجعل الأرض مهادا)؟ قلت: لما أنكروا البعث قيل لهم ألم يخلف من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال القدرة؟ قما وجه إنكار قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات. أو قيل لهم: ألم يفعل هذه الأفعال المتكاثرة والحكيم لا يفعل فعلا عبثا، وما تنكرونه من البعث والجزاء مؤد إلى أنه عابث في كل ما فعل. مهادا فراشا.
وقرئ مهدا، ومعناه أنها لهم كالمهد للصبي وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر كضرب الأمير أو وصفت بالمصدر، أو بمعنى ذات مهد: أي أرسيناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد (سباتا) موتا والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة، والنوم أحد التوفيين وهو على بناء الأدواء. ولما جعل النوم موتا جعل اليقظة معاشا: أي حياة في قوله - وجعلنا النهار معاشا - أي وقت معاش تستيقظون فيه وتتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم، وقيل السبات الراحة (لباسا) يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدو أو بياتا له أو إخفاء مالا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور:
وكم لظلام الليل عندك من يد * تخبر أن المانوية تكذب (سبعا) سبع سماوات (شدادا) جمع شديدة يعنى محكمة قوية الخلق لا يؤثر فيها مرور الا زمان (وهاجا) متلألئا وقادا: يعنى الشمس وتوهجت النار إذا تلمظتا فتوهجت بضوئها وحرها. المعصرات: السحائب إذا أعصرت: أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولك أجز الزرع: إذا حان له أن بجز، ومنه أعصرت الجارية:
إذا دنت أن تحيض. وقرأ عكرمة بالمعصرات، وفيه وجهان: أن تراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن تراد السحائب، لأنه إذا كان الانزال منها فهو بها كما تقول: أعطى من يده درهما وأعطى بيده. وعن مجاهد:
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»