الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٠١
نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا. إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما.
يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما.
____________________
من الشئ الثقيل الباهظ لحامله، ونحوه - ثقلت في السماوات والأرض -. الأسر: الربط والتوثيق، ومنه أسر الرجل إذا أوثق بالقد وهو الأسئار، وفرس مأسور الخلق وترس مأسور بالعقب، والمعنى: شددنا توصيل عظامهم بعضا ببعض وتوثيق مفاصلهم بالأعصاب، ومثله جارية معصوبة الخلق ومجدولته (وإذا شئنا) أهلكناهم و (بدلنا أمثالهم) في شدة الأسر: يعنى النشأة الأخرى، وقيل معناه: بدلنا غيرهم ممن يطيع 7 وحقه أن يجئ بأن لا بإذاء كقوله - وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم - إن يشأ يذهبكم - (هذه) إشارة إلى السورة أو إلى الآيات القريبة (فمن شاء) فمن اختار الخير لنفسه وحسن العاقبة. واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه والتوسل بالطاعة (وما يشاءون) الطاعة (إلا أن يشاء الله) بقسرهم عليها (إن الله كان عليما) بأحوالهم وما يكون منهم (حكيما) حيث خلقهم مع علمه بهم. وقرئ تشاءون بالتاء. فإن قلت: ما محل أن يشاء الله؟ قلت: النصب على الظرف، وأصله إلا وقت مشيئة الله، وكذلك قراءة ابن مسعود إلا ما يشاء الله لان " ما " مع الفعل كأن معه (يدخل من يشاء) هم المؤمنون، ونصب (الظالمين) بفعل يفسره أعد لهم نحو أوعد وكافأ وما أشبه ذلك، وقرأ ابن مسعود وللظالمين على وأعد للظالمين. وقرأ ابن الزبير والظالمون على الابتداء وغيرها أولى لذهاب الطباق بين الجملة المعطوفة والمعطوف عليها فيها مع مخالفتها للمصحف. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريرا. "
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»