الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٠٤
رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا. ويل يومئذ للمكذبين. انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون. انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. لا ظليل ولا يغنى من اللهب. إنها ترمى بشرر كالقصر. كأنه جماله صفر. ويل يومئذ للمكذبين. هذا يوم
____________________
كأنه قيل كافتة أحياء وأمواتا أو بفعل مضمر يدل عليه وهو تكفت، والمعنى: تكفت أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها. وقد استدل بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على قطع النباش بأن الله تعالى جعل الأرض كفاتا للأموات فكان بطنها حرزا لهم، فالنباش سارق من الحرز. فإن قلت: لم قيل أحياء وأمواتا على التنكير وهى كفات الاحياء والأموات جميعا؟ قلت: هو من تنكير التفخيم كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون وأمواتا لا يحصرون، على أن أحياء الانس وأمواتهم ليسوا بجميع الاحياء والأموات. ويجوز أن يكون المعنى: تكفتكم أحياء وأمواتا فينتصبا على الحال من الضمير لأنه قد علم أنها كفات الانس. فإن قلت: فالتنكير في (رواسي شامخات) و (ماء فراتا). قلت: يحتمل إفادة التبعيض لان في السماء جبالا، قال الله تعالى - وننزل من السماء من جبال فيها من برد - وفيها ماء فرات أيضا بل هي معدنه ومصبه وأن يكون للتفخيم: أي يقال لهم انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب، وانطلقوا الثاني تكرير. وقرئ انطلقوا على لفظ الماضي إخبارا بعد الامر عن عملهم بموجبه لانهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعا منه (إلى ظل) يعنى دخان جهنم كقوله - وظل من يحموم - (ذي ثلاث شعب) ينشعب لعظمه ثلاث شعب وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب. وقيل يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم والمؤمنون في ظل العرش (لا ظليل) تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين (ولا يغنى) في محل الجر: أي وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئا (بشرر) وقرئ بشرار (كالقصر) أي كل شررة كالقصر من القصور في عظمها. وقيل هو الغليظ من الشجر الواحدة قصرة نحو جمرة وجمر. وقرئ كالقصر بفتحتين وهى أعناق الإبل أو أعناق النخل نحو شجرة وشجر. وقرأ ابن مسعود كالقصر بمعنى القصور كرهن ورهن. قرأ سعيد بن جبير كالقصر في جمع قصرة كحاجة وحوج (جمالات) جم جمال أو جمالة جمع جمل شبهت بالقصور ثم بالجمال لبيان التشبيه، ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل، وقرئ جمالات بالضم وهى قلوس الجسور، وقيل قلوس سفن البحر الواحدة جمالة. وقرئ جمالة بالكسر بمعنى جمال وجمالة بالضم وهى القلس، وقيل (صفر) لإرادة الجنس، وقيل صفر سود تضرب إلى الصفرة، وفي شعر عمران بن حطان الخارجي:
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم * بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى وقال أبو العلاء:
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى * ترمى بكل شرارة كطراف فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في الظم والحمرة، وكأنه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سول له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله حمراء توطئة لها ومناداة عليها وتنبيها للسامعين على مكانها، ولقد عمى جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا - كأنه جمالات صفر - فإنه بمنزلة قوله كبيت أحمر، وعلى أن
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»