الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٩٦
يفجرونها تفجيرا. يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا.
____________________
وتختم لهم بالمسلك. وقيل تخلق فيها رائحة الكافور وبياضه وبرده فكأنها مزجت بالكافور، وعينا على هذه القولين.
بدل من محل من كأس على تقدير حذف مضاف كأنه قيل: يشربون فيها خمرا، خمر عين أو نصب على الاختصاص فإن قلت: لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولا وبحرف الالصاق آخرا؟ قلت: لان الكأس مبدأ شربهم وأول غايته، وأما العين فيها يمزجون شرابهم، فكأن المعنى: يشرب عباد الله بها الخمر كما تقول شربت الماء بالعسل (يفجرونها) يجرونها حيث شاءوا من منازلهم (تفجيرا) سهلا لا يمتنع عليهم (يوفون) جواب من عسى يقول مالهم يرزقون ذلك، والوفاء بالنذر مبالغة وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات، لان من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أو في (مستطيرا) فاشيا منتشرا بالغا أقصى المبالغ من استطار الحريق واستطار الفجر وهو من طار بمنزلة استنفر من نفر (على حبه) الضمير للطعام: أي مع اشتهائه والحاجة إليه، ونحوه - وأتى المال على حبه - لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - وعن الفضيل بن عياض على حب الله (وأسيرا) عن الحسن " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالأسير فيدعه إلى بعض المسلمين فيقول أحسن إليه فيكون عنده اليومين والثلاثة فيؤثره على نفسه " وعند عامة العلماء: يجوز الاحسان إلى الكفار في دار الاسلام ولا تصرف إليهم الواجبات. وعن قتادة: كان أسيرهم يومئذ المشرك وأخوك المسلم أحق أن تطعمه. وعن سعيد بن جبير وعطاء:
هو الأسير من أهل القبلة. وعن أبي سعيد الخدري: هو المملوك والمسجون. وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغريم أسيرا فقال " غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك " (إنما نطعمكم) على إرادة القول، ويجوز أن يكون قولا باللسان منعا لهم عن المجازاة بمثله أو بالشكر، لان إحسانهم مفعول لوجه الله فلا معنى لمكافأة الخلق، وأن يكون قولهم لهم لطفا وتفقيها وتنبيها على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله. وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبعث بالصدقة أي أهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا، فإذا ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله، ويجوز أن يكون ذلك بيانا وكشفا عن اعتقادهم وصحة نيتهم وإن لم يقولوا شيئا. وعن مجاهد: أما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله منهم فأثنى عليهم. والشكر والكفور مصدران كالشكر والكفر (إنا نخاف) يحتمل أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لإرادة مكافأتكم، وإنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى على طلب المكافأة بالصدقة. ووصف اليوم بالعبوس مجاز على طريقين أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»