الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٨٢
وجعلت له مالا ممدودا. وبنين شهودا. ومهدت له تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لا يأتنا عنيدا. سأرهقه صعودا إنه فكر
____________________
على معنى خلقته وهو وحيد فريد لا مال له ولا ولد كقوله - ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة - وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وكان يلقب في قومه بالوحيد، ولعله لقب بذلك بعد نزول الآية، فإن كان ملقبا به قبل فهو تهكم به وبلقبه وتغيير له عن الغرض الذي كانوا يؤمونه من مدحه والثناء عليه بأنه وحيد قومه لرياسته ويساره وتقدمه في الدنيا إلى وجه الذم والعيب وهو أنه خلق وحيدا لامال له ولا ولد فآتاه الله ذلك فكفر بنعمة الله وأشرك به واستهزأ بدينه (ممدودا) مبسوطا كثيرا أو ممدا بالنماء من مد النهر ومده نهر آخر، قيل كان الزرع والضرع والتجارة. وعن ابن عباس: هو ما كان له بين مكة والطائف من صنوف الأموال. وقيل كان له بستان بالطائف لا ينقطع ثماره صيفا وشتاء، وقيل كان له ألف مثقال، وقيل أربعة آلاف، وقيل تسعة آلاف، وقيل ألف ألف. وعن ابن جريج: غلة شهر بشهر (وبنين شهودا) حضورا معه بمكة لا يفارقونه للتصرف في عمل أو تجارة لانهم مكفيون لوفور نعمة أبيهم واستغنائهم عن التكسب وطلب المعاش بأنفسهم، فهو مستأنس بهم لا يشتغل قلبه بغيبتهم وخوف معاطب السفر عليهم ولا يحزن لفراقهم والاشتياق إليهم. ويجوز أن يكون معناه:
أنهم رجال يشهدون معه المجامع والمحافل أو تسمع شهاداتهم فيما يتحاكم فيه. وعن مجاهد: كان له عشرة بنين، وقيل ثلاثة عشر، وقيل سبعة كلهم رجال الوليد بن الوليد وخالد وعمراة وهشام والعاص وقيس وعبد شمس أسلم منهم ثلاثة: خالد وهشام وعمارة (ومهدت له تمهيدا) وبسطت له الجاه العريض والرياسة في قومه فأتممت عليه نعمتي المال والجاه واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا، ومنه قول الناس: أدام الله تأييدك وتمهيدك، يريدون زيادة الجاه والحشمة. وكان الوليد من وجهاء قريش وصناديدهم ولذلك لقب الوحيد وريحانة قريش (ثم يطمع) استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه: يعنى أنه لا مزيد على ما أوتى سعة وكثرة، وقيل إنه كان يقول:
إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لي (كلا) ردع له وقطع لرجائه وطمعه (إنه كان لا يأتنا عنيدا) تعليل للردع على وجه الاستئناف كأن قائلا قال: لم لا يزاد؟ فقيل: إنه عاند آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والكافر لا يستحق المزيد. ويروى أنه ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله حتى هلك (سأرهقه صعودا) سأغشيه عقبة شاقة المصعد، وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع عليها يده ذابت فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت " وعنه عليه الصلاة والسلام " الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا " (إنه فكر) تعليل للوعيد كأن الله تعالى عاجله بالفقر بعد الغنى والذل بعد العز في الدنيا لعناده، ويعاقبه في الآخرة بأشد العذاب وأفظعه لبلوغه بالعناد غايته وأقصاه في تفكيره وتسميته القرآن سحرا. ويجوز أن تكون كلمة الردع متبوعة بقوله - سأرهقه صعودا - ردا لزعمه أن الجنة لم تخلق إلا له وإخبارا بأنه من أشد أهل النار عذابا ويعلل
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»