____________________
المعنى يا أيها الذي زمل أمرا عظيما: أي حمله، والزمل الحمل وأزمله احتمله. وقرئ قم الليل بضم الميم وفتحها قال عثمان بن جنى: الغرض بهذه الحركة التبلغ بها هربا من التقاء الساكنين فبأي الحركات تحرك فقد وقع الغرض (نصفه) بدل من الليل وإلا قليلا استثناء من النصف كأنه قال: قم أقل من نصف الليل والضمير في منه وعليه للنصف، والمعنى: التخيير بين أمرين: بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت وبين أن يختار أحد الامرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه، وإن شئت جعلت نصفه بدلا من قليلا، وكان تخييرا بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، وبين قيام الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه، وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل، وإن شئت قلت لما كان معنى قم الليل إلا قليلا نصفه إذا أبدلت النصف من الليل قم أقل من نصف الليل، رجع الضمير في منه وعليه إلى الأقل من النصف فكأنه قيل: قم أقل من نصف الليل أو قم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث. ويجوز إذا أبدلت نصفه من قليلا وفسرته به أن تجعل قليلا الثاني بمعنى نصف النصف وهو الربع كأنه قيل: أو انقص منه قليلا نصفه، وتجعل المزيد على هذا القليل: أعني الربع نصف الربع كأنه قيل: أو زد عليه قليلا نصفه. ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث فيكون تخييرا بين النصف والثلث والربع. فإن قلت: أكان القيام فرضا أم نفلا؟ قلت: عن عائشة رضي الله عنها أن الله جعله تطوعا بعد أن كان فريضة. وقيل كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بهن إلا ما تطوعوا به. وعن الحسن: كان قيام ثلث الليل فريضة وكانوا على ذلك سنة. وقيل كان واجبا وإنما وقع التخيير في المقدار ثم نسخ بعد عشر سنين. وعن الكلبي: كان يقوم الرجل حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين. ومنهم من قال: كان نفلا بدليل التخيير في المقدار ولقوله تعالى - ومن الليل فتهجد به نافلة لك - ترتيلا القرآن قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات حتى يجئ المتلو منه شبيها بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، وأن لا يهذه هذا ولا يسرده سردا كما قال عمر رضي الله عنه: شر السير الحقحقة (1)، وشر القراءة الهذرمة حتى يشبه المتلو في تتابعه الثغر الالص. وسئلت عائشة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا كسردكم هذا، لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها. و (ترتيلا) تأكيد في إيجاب الامر به وأنه ما لابد منه للقارئ. هذه الآية اعتراض، ويعنى بالقول الثقيل القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين وخاصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه متحملها بنفسه ومحملها أمته، فهي أثقل عليه وأبهظ له. وأراد بهذا الاعتراض أن ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الثقيلة الصعبة التي ورد بها القرآن، لان الليل وقت السبات والراحة والهدو، فلا بد لمن أحياه من مضادة لطبعه ومجاهدة لنفسه. وعن ابن عباس رضي الله عنه " كان إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد له جلده " وعن عائشة رضي الله عنها " رأيته عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا "