الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٥٣
إني ظننت أنى ملاق حسابيه. فهو في عيشه راضية في جنة عالية. قطوفها دانية.
كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية. وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدرما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عنى ماليه. هلم عنى سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه.
____________________
استحب إيثار الوقف إيثارا لثباتها في المصحف. وقيل لا بأس بالوصل والاسقاط. وقرأ ابن محيصن بإسكان الياء بغير هاء. وقرأ جماعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف جميعا لاتباع المصحف (ظننت) علمت، وإنما أجرى الظن مجرى العلم لان الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات والاحكام، ويقال أظن ظنا كاليقين أن الامر كيت وكيت (راضية) منسوبة إلى الرضا كالدارع والنابل والنسبة نسبتان نسبة بالحرف ونسبة بالصيغة أو جعل الفعل لها مجازا وهو لصاحبها (عالية) مرتفعة المكان في السماء أو رفيعة الدرجات أو رفيعة المباني والقصور والأشجار (دانية) ينالها القاعد والنائم، يقال لهم (كلوا واشربوا هنيئا) أكلا وشربا هنيئا أو هنيتم هنيئا على المصدر (بما أسفتم) بما قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الخالية) الماضية من أيام الدنيا. وعن مجاهد: أيام الصيام: أي كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله. وروى " يقول الله عزو جل: يا أوليائي طالما نظرت إليكم في الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة وغارت أعينكم وخمصت بطونكم، فكونوا اليوم في نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ". الضمير في (يا ليتها) للموتة يقول يا ليت الموتة التي منها (كانت القاضية) أي القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما ألقى، أو للحالة: أي ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت على لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته فتمناه عندها (ما أغنى) نفى أو استفهام على وجه الانكار: أي أي شئ أغنى عنى ما كان لي من اليسار (هلك عنى سلطانية) ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيرا ذليلا. وعن ابن عباس: أنها نزلت في الأسود بن عبد الأشد. وعن فناخسرو الملقب بالعضد أنه لما قال:
عضد الدولة وابن ركنها * ملك الاملاك غلاب القدر لم يفلح بعده وجن فكان لا ينطلق لسانه إلا بهذه الآية. وقال ابن عباس: ضلت عنى حجتي، ومعناه: بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا (ثم الجحيم صلوه) ثم لاتصلوه إلا الجحيم وهى النار العظمى لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس، يقال صلى النار وصلاة النار. سلكه في السلسلة: أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أثناؤها وهو فيما بنيها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة. وجعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطول كما قال - إن
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»