الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١١٥
يوم بجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير. ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم. وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين.
الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون. يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم.
____________________
والنور محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقرئ نجمعكم ونكفر وندخله بالياء والنون. فإن قلت: بم انتصب الظرف؟ قلت بقوله لتنبؤن أو بخبير لما فيه من معنى الوعيد كأنه قيل: والله معاقبكم يوم يجمعكم أو بإضمار أذكر (ليوم الجمع) ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون. التغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغبن بعضهم بعضا، لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء. وفيه تهكم بالأشقياء لأن نزولهم ليس بغبن، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة " ومعنى (ذلك يوم التغابن) وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظام له وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت (صالحا) صفة للمصدر: أي عملا صالحا (إلا بإذن الله) إلا بتقديره ومشيئته كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه (يهد قلبه) يلطف به ويشرحه للازدياد من الطاعة والخير. وقيل هو الاسترجاع عند المصيبة. وعن الضحاك: يهد قلبه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وعن مجاهد: إن ابتلى صبر، وإن أعطى شكر، وإن ظلم غفر. وقرئ يهد قلبه على البناء للمفعول والقلب مرفوع أو منصوب، ووجه النصب أن يكون مثل " سفه نفسه " أي يهد في قلبه، ويجوز أن يكون المعنى: أن الكافر ضال عن قلبه بعيد منه، والمؤمن واجد له مهتد إليه كقوله تعالى - لمن كان له قلب - وقرئ نهد قلبه بالنون ويهد قلبه بمعنى يهتد ويهدأ قلبه يطمئن ويهد ويهدا على التخفيف (والله بكل شئ عليم) يعلم ما يؤثر فيه اللطف من القلوب مما لا يؤثر فيه فيمنحه ويمنعه (فإن توليتم) فلا عليه إذا توليتم لأنه لم يكتب عليه طاعتكم إنما كتب عليه أن يبلغ ويبين فحسب (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه. إن من الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى (فاحذروهم) الضمير للعدو أو للأزواج والأولاد جميعا: أي لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عدو فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم (وأن تعفوا) عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها فإن الله
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 119 120 121 ... » »»