الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١١٠
قاتلهم الله أنى يؤفكون. وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليه استغفرت لهم.
____________________
وأن يقدر مضاف محذوف على يحسبون كل أهل صيحة (قاتلهم الله) دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك (أنى يؤفكون) كيف يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم (لووا رؤوسهم) عطفوها وأما لوها إعراضا عن ذلك واستكبارا، قرئ بالتخفيف والتشديد للتكثير.
روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لقى بنى المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم وقتل منهم، ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد أجير لعمر يقود فرسه وسنان الجهني حليف لعبد الله بن أبي واقتتلا، فصرخ جهجاه يا للمهاجرين وسنان يا للأنصار، فأعان جهجاها جعال من فقراء المهاجرين ولطم سنانا، فقال عبد الله لجعال: وأنت هناك، وقال: ما صحبنا محمدا إلا لنلطم، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل: عنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لقومه: ماذا فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم؟ أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث، فقال: أنت والله الذليل القيل المبغض في قومك، ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين، فقال عبد الله: اسكت فإنما كنت ألعب، فأخبر زيد رسول الله، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله، فقال: إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب، قال: فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريا، فقال: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله أنت صاحب الكلام الذي بلغني؟ قال: والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب فهو قوله تعالى - اتخذوا أيمانهم جنة - فقال الحاضرون: يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام عسى أن يكون قدوهم ". وروى: " أن رسول الله قال له: لعلك غضبت عليه؟ قال لا، قال: فلعله أخطأ سمعك؟ قال لا، قال: فلعله شبه عليك؟ قال لا، فلما نزلت لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك أذنه وقال: وفت أذنك يا غلام إن الله قد صدقك وكذب المنافقين ". " ولما أراد عبد الله أن يدخل المدينة اعترضه ابنه حباب، وهو عبد الله بن عبد الله غير رسول الله اسمه وقال: إن حبابا اسم شيطان وكان مخلصا، وقال: وراءك والله لا تدخلها حتى تقول رسول الله الأعز وأنا الأذل، فلم يزل حبيسا في يده حتى أمره رسول الله بتخليته " وروى " أنه قال له: لئن لم تقر لله ورسوله بالعز لأضربن عنقك، فقال: ويحك أفاعل أنت؟ قال نعم، فلما رأى منه الجد قال: أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فقال رسول الله لابنه: جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا، فلما بان كذب عبد الله قيل له: قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أو من فآمنت، وأمرتموني أن أزكى مالي فزكيت، فما بقى إلا أن أسجد لمحمد فنزلت - وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله - ولم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات " (سواء عليهم) الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعتدون به لكفرهم أو لأن الله لا يغفر لهم. وقرئ استغفرت على حذف حرف الاستفهام
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»