الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٢٧
فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير. إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير. عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا
____________________
هو ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به وإفشائه من قبلها، وآن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرمه وحلمه لم يوجد منه إلا الإعلام ببعضه وهو حديث الإمامة، ألا ترى أنه لما كان المقصود في قوله (فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا) ذكر المنبأ كيف أتى بضميره (إن تتوبا) خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما. وعن ابن عباس: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عنهما حتى حج وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة، فسكبت الماء على يده فتوضأ، فقلت: من هما؟ فقال: عجبا يا ابن عباس، كأنه كره ما سألته عنه ثم قال: هما حفصة وعائشة (فقد صغت قلوبكما) فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. وقرأ ابن مسعود فقد زاغت (وإن تظاهرا) وإن تعاونا (عليه) بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره فلن يعدم هو من يظاهره، وكيف يعدم المظاهر من الله مولاه: أي وليه وناصره. وزيادة هو إيذان بأن نصرته عزيمة من عزائمه وأنه يتولى ذلك بذاته (وجبريل) رأس الكروبيين، وقرن ذكره بذكره مفردا له من بين الملائكة تعظيما له وإظهارا لمكانته عنده (وصالح المؤمنين) ومن صلح من المؤمنين: يعنى كل من آمن وعمل صالحا. وعن سعيد بن جبير:
من برئ منهم من النفاق، وقيل الأنبياء، وقيل الصحابة، وقيل الخلفاء منهم. فإن قلت: صالح المؤمنين واحد أم جمع؟ قلت: هو واحد أريد به الجمع كقولك لا يفعل هذا الصالح من الناس، تريد الجنس كقولك لا يفعله من صلح منهم، ومثله قولك كنت في السامر والحاضر. ويجوز أن يكون أصله صالحو المؤمنين بالواو فكتب بغير واو على اللفظ، لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط (والملائكة) على تكاثر عددهم وامتلاء السماوات من جموعهم (بعد ذلك) بعد نصرة الله وناموسه وصالحي المؤمنين (ظهير) فوج مظاهر له كأنهم يد واحدة على من يعاديه فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه. فإن قلت: قوله - بعد ذلك - تعظيم للملائكة ومظاهرتهم، وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»