الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٢٠
لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب وأنذرهم يوم الا زفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما لظالمين من حميم ولا شفيع يطاع
____________________
فما معناه؟ قلت: معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب أن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه، قال الله تعالى - ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون - وقال تعالى - يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله - وذلك لعلمهم أن الناس يبصرونهم وظنهم أن الله لا يبصرهم وهو معنى قوله - وبرزوا الله الواحد القهار - (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به. ومعناه أنه ينادى مناد فيقول: لمن الملك اليوم؟ فيجيبه أهل المحشر: لله الواحد القهار، وقيل: يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط، فأول ما يتكلم به أن ينادى مناد: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس الآية، فهذا يقتضى أن يكون المنادى هو المجيب. لما قرر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك، وهى أن كل نفس تجزى ما كسبت، وأن الظلم مأمون لأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطئ لأن الله لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إذا أخذ في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها. الآزفة: القيامة سميت بذلك لأزوفها:
أي لقربها. ويجوز أن يريد بيوم الآزفة وقت الخطة الآزفة، وهى مشارفتهم دخول النار، فعند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا ولكنها معترضة كالشجا، كما قال تعالى - فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا - فإن قلت: (كاظمين) بم انتصب؟
قلت: هو حال عن أصحاب القلوب على المعنى لأن المعنى إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها. ويجوز أن يكون حالا عن القلوب وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر، وإنما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء كما قال تعالى - رأيتهم لي ساجدين - وقال - فظلت أعناقهم لها خاضعين - وتعضده قراءة من قرأ كاظمون. ويجوز أن يكون حالا عن قوله. وأنذرهم: أي وأنذرهم مقدرين أو مشارفين الكظم كقوله تعالى - فأدخلوا خالدين - الحميم: المحب المشفق. والمطاع مجاز في المشفع لأن حقيقة الطاعة نحو حقيقة الأمر في أنها لا تكون إلا لمن فوقك. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى (ولا شفيع يطاع)؟ قلت: يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معا وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة كما تقول: ما عندي كتاب يباع، فهو محتمل نفى البيع وحده وأن عندك كتابا إلا أنك لا تبيعه، ونفيهما جميعا وأن لا كتاب عندك ولا كونه مبيعا ونحوه:
(٤٢٠)
مفاتيح البحث: مدينة الكاظمين (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 ... » »»