الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤١٨
فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل. ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا
____________________
وبالإحياءتين الإحياءة الأولى وإحياءة البعث، وناهيك تفسيرا لذلك قوله تعالى - وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم - وكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. فإن قلت: كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة؟ قلت:
كما صح أن تقول: سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وقولك للحفار: ضيق فم الركية ووسع أسفلها وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات، السبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر فجعل صرفه منه كنقله منه؛ ومن جعل الإماتتين التي بعد حياة الدنيا والتي بعد حياة القبر لزمه إثبات ثلاث إحياءات وهو خلاف ما في القرآن، إلا أن يتحمل فيجعل إحداها غير معتد بها، أو يزعم أن الله تعالى يحييهم في القبور وتستمر بهم ذلك الحياة فلا يموتون بعدها ويعدهم في المستثنين من الصعقة قوله تعالى - إلا من شاء الله - فإن قلت: كيف تسبب هذا لقوله تعالى (فاعترفنا بذنوبنا)؟ قلت: قد أنكروا البعث فكفروا، وتبع ذلك من الذنوب مالا يحصى لأن من لم يخش العاقبة تخرق في المعاصي، فلما رأوا الإماتة والإحياء قد تكررا عليهم علموا بأن الله قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم (فهل إلى خروج) أي إلى نوع من الخروج سريع أو بطئ (من سبيل) قط، أم اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل إليه، وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط، وإنما يقولون ذلك تعللا وتحيرا، ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو قوله (ذلكم) أي ذلكم الذي أنتم فيه، وأن لا سبيل
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»